أي تقرير تترقبه محكمة العدل الدولية اليوم من خصم وحكم في نفس الوقت

أي تقرير تترقبه محكمة العدل الدولية اليوم من خصم وحكم في نفس الوقت بعد شهر لم يتوقف فيه لحظة عن ممارسة جرائم الإبادة الجماعية بأبشع الأساليب ؟

 بداية لا بد من التذكير بأن اللوبي الصهيوني المتغلغل في كل أقطار المعمور ، والمسيطر على مراكز سلطة وصنع  القرار في كل الهيئات والمنظمات الدولية بما فيها محكمة العدل الدولية ، ومجلس الأمن الدولي ... وغيرهما ، هو ما جعل الكيان الصهيوني المستنبت في أرض فلسطين بالقوة  كيانا خارج طائلة القوانين على اختلافها ، وعلى اختلاف الجهات الصادرة عنها ، وهو بذلك كيان مارق يشيع الفوضى العارمة  في كل المعمور ، ويستخف بالبشرية جمعاء، وبقيمها الإنسانية والأخلاقية ، ولا رادع له ،لأنه فوق كل القوانين بسبب نفوذ اللوبي الذي يوفر له ظروف المروق .

 ومحكمة العدل الدولية بإمهال هذا الكيان شهرا كاملا من أجل أن يقدم لها تقريرا عما يمارسه من إبادة جماعية  في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، فإنه لم   يتوقف فيه لحظة  واحدة عن الإمعان في إجرامه ، بل تفنن في أساليبه ، حيث استعمل التجويع كأداة من أدوات الإبادة التي تعني الموت البطيء ، فضلا عن منع العلاج عن المصابين من جرحى ، ومرضى ، إلى جانب الآلة الحربية المدمر الغربية أوروبية ، وأمريكية التي تقتل الإنسان ، وتدمر العمران .

ومع أن هذه  المحكمة لا يعيش قضاتها في جزيرة نائية معزولة ، ولا في أبراج عاجية ، بل يتابعون يوميا مشاهد الإبادة الجماعية التي تنقلها مختلف وسائل الإعلام الدولية ، ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي ، فإنهم ظلوا ينتظرون شهرا كاملا كأنهم يعيشون في زمن ما قبل ظهور وتتطور وسائل الاتصال من أجل أن يتوصلوا من خصم وحكم في نفس الوقت بتقريره عن جرائم إبادة جماعية بدأها منذ الثامن من شهر أكتوبر بوتيرة لا هوادة فيها ، وواصلها بنفس الوتيرة بعدما طُلب منه  تقديم

ذلك التقرير. والملاحظ أن قرار المحكمة أقصى الطرف الضحية ، ولم يعطه حق رفع تقرير إليها إلى جانب تكليف طرف محايد برفع تقرير أيضا حتى يتسنى لها أن تقابل بين مضامين التقارير الثلاثة كي تصل إلى حقيقة ما جرى ، وما يجري في قطاع غزة .

ومعلوم أنه في الوقت الذي تنتظر فيه المحكمة التقرير الصهيوني عن  جرائم الإبادة الجماعية ، يستعد الكيان الصهيوني للقيام بعملية عسكرية في مدينة رفح على غرار عملياته في كل مدن قطاع غزة ، والحالة أن  مدينة  رفه يوجد بها  مليون ونصف لاجيء ممن هجروا قسرا من شمال ووسط القطاع ، وهم يعيشون في خيام والفصل شتاء  دون طعام ، ودون ماء ، ودون دواء ، وقد كثرت جثث قتلاهم  الظاهرة ، والمدفونة تحت الردم ، وصار الحيز الذي هم محاصرون فيه موبوءا  وكارثيا ، وكفى بهذا الوضع المؤلم دليلا على جريمة نكراء تدينها القوانين التي تتبناها هذه المحكمة ، والتي قضت فيها بأحكام عندما تعلق الأمر باليهود الذين اضطهدتهم النازية ، لكنها تلكأت  في القضاء بها عندما تعلق الأمر بالإبادة الجماعية والتهجير القسري للمسلمين في البوسنة والهرسك ،  وبالمسلمين في بورما ، وهي اليوم أشد تلكؤا في تفعيل  قضائها، لأن الخصم هو الكيان الصهيوني المارق والمحتقر لها على ألسنة قادته الذين من المفروض أن يقاضوا فورا ،لأنهم مجرمي حرب .

وعندما ستتلقى المحكمة التقرير الصهيوني عن جرائمه ، فكيف يمكنها التحقق من مضامينه في غياب تقارير صادرة عن الضحايا ، وعن جهات أخرى محايدة ؟ فهل ستوفد هذه المحكمة من يؤكد لها صحة مضامين التقرير الصهيوني ـ في حال قبل تسليمه لها  ؟ وماذا سيكون قرارها إذا رفض ما طالبته به ؟ وماذا سيكون قرارها إذا ما أدانته بجريمة  الإبادة الجماعية ؟ وما مصير مصداقيتها إذا لفت ودارت من أجل إخفاء حقيقة الإبادة  أو طمست معالمها تحت ضغط اللوبي الصهيوني الذي لا شك في هيمنته عليها تماما كما يهيمن على كل صناع القرار في هذا العالم  ؟

إن العالم ما دام اللوبي الصهيوني مسيطرا على مراكز صنع القرار فيه ، فلن يكون للعدالة وجود فيه ، ولن ينعم باستقرار أو أمن أو سلام، بل ستستفحل فيه الفوضى العارمة ، والظلم الصارخ ، وستسيل  في أرجائه دماء الأبرياء ، وتزهق أرواحهم ، وسيهجرون ، وتسلب ممتلكاتهم ، في وقت يُتباهى فيه بأنه عالم حر ، وديمقراطي ، تسوده العدالة ـ ولا عدالة ـ ، وتحكمه القوانين ، ولا قوانين إلا قانون الغاب  . ولم يعد فيه للمظلمين من وسيلة  للخلاص من ظلم الظالمين  سوى انتظار عدالة السماء التي ستكون حتما عاجلا وآجلا ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .  

وإلى أن تفصح محكمة العدل الدولية عن قرارها  بخصوص  جرائم إبادة جماعية صارخة ، ومكتملة الأركان ، وبينة الأدلة والحجج  التي لا غبار عليها ، ستكون لنا عودة إلى هذه القضية إن شاء الله تعالى .  

وسوم: العدد 1071