مع ابن باعوراء وفرقته

يضج العالم الإسلامي في هذا الزمان بكثير من أمثال ابن باعوراء. يسدون على المسلمين الآفاق، ويغلقون بنباحهم الطباق.

وحتى لا تسألني من هو ابن باعوراء، مع أنه في شهرة النمرود وفرعون وذي نواس وأبي رغال وقُدار عاقر الناقة.. فأختصر وأقول: بلعام بن باعوراء هو على قول المفسرين، الذي قال الله تعالى فيه:

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

فهذا المسخ وذريته من الممسوخين، الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وأصبحوا في هذا الزمان ؛ فتنة للذين آمنوا، فكم ارتد من شاب حدث عن الإسلام بسبب نفاقهم، يقولون لك وكم خدعنا بهم، ونحن نبكي معهم، عندما نتابعهم وهو يبكون في المحاريب، ثم أثبتت التجارب والأيام أن بكاءهم لم يكن غير تمثيل، يؤديه الممثلون في هوليود، أو في أفلام "حلمي رفلة"!!

يقولون وإذا كان الله قد اختص بمعرفة المفسد من المصلح فكيف نعرف نحن؟؟

كان أبو جعفر المنصور وهو الذي ضرب الامام أبا حنيفة على القضاء، وعاقب الإمام مالك على فتوى؛ لم تعجب "ولي الأمر" وصمد الإمام مالك على العقاب، وسودوا وجهه، بعد أن جلدوه، وطافوا به أرجاء المدينة على حمار.

وهو يصر على فتواه التي صادر فيها على ولي الأمر الشحيح الأرعن الملقب "ابو الدوانيق" رغبته، فظل يعلن: من عرفني فقد اكتفى، ومن لم يعرفني، فأنا مالك بن أنس، وأقول: طلاق المكره لا يقع. لأن المنصور كان يحلّف الناس بالطلاق والعتاق إن خلعوا بيعته…!! وكذلك يفعلون..

كان أبو جعفر المنصور هذا، ينظر حوله فيجد أمثال ابن باعوراء قد سدوا الأفق كما هم اليوم حول بشار وعشار ونشار وفشار وخشار وجشار..

فيقول عنهم:

كلهم يمشي رويد.. كلهم يختل صيد

إذن هذه هي علامة المفسد..

فإذا رأيت الرجل لزم ولي أمره، وهو يغترف من فضله، أو من أسنه، أو من آسنه، ويرتع في طوله فاعلم انه ابن باعوراء، واعلم أن بكاءه في المحراب، ضحك تمثيلي، على كل من صلى خلفه.. يبكون في المحاريب كما يبكون على المسارح فبالنسبة إليهم لا فرق؛ قاتلهم الله أنى يؤفكون، وكان لنا أثيم في الشام قاتله الله ما أجرأه على الدموع، أو ما أطوع دموعه عندما يسيل اللعاب..

انظر إلى ثوبه وغترته وبيته وسيارته وحساب بنكه ثم تذكر حديث ابن اللتيبة، ولا أريد أن أطيل..فحديث ابن اللتيبة جدير

فهل راتب إمام مسجد مستور، يجعله من أصحاب الدثور!!

أطلت..

وهذا فيديو ما زال يدور، وما أكثر الفيديوهات التي باتت تدور، حتى أنكر بعضهم على المسلمين الدعاء لمن يدفع عن دمه وعن عرضه وعن أرضه. في أي فقه ينكر جهاد دفع عن دم وعن عرض في غير عيش الخنازير.

وهذا الرجل السقيم مع فوضى ما صدر عنه وعن فرقته على مدى سنين، يقرر في فيديو حديث مستجد؛ فالفتوى أصبحت تتبع الموضة، والموضة تتبع ولي الأمر حمراء صفراء خضراء زرقاء ليلكي..

يقول ليس من مقتضى الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أن المأمور يأتمر، وأن المنهي ينتهي.

فهو مجرد قول يقال. وعملية إسقاط عتب؛ يدفع…

ينسى المأفون قوله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80))

هم هم، وينسى قول رسول الله في مثل هؤلاء من بني إسرائيل، أن أحدهم كان لا يمتنع أن يكون حليسا أو أكيلا لصاحب المنكر، فكيف إذا. اتخذه وليا، وأمر المسلمين بتوليه، وأنكر على من نفض يده منه ومن منكره..!!

ونعود إلى أصل القضية هل على الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر أن ينفذ أمره على المأمور، المنهي!! أو يكتفي بأن يقول ثم يكون وليا ويكون نصيرا ويكون جليسا ويكون شريبا ويكون مخالطا، وكأن الأمر لا يعنيه؟؟

ونقول إن الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر باليد، لا يخلو أن تكون يده فوق يد المأمور.. فيجب عليه التغيير قولا واحدا، ولا يكتفي أن يمر بالتغيير الصوري ثم لا يبالي..

وإن كان الأمر والنهي باللسان، فإن كان الآمر الناهي صاحب ولاية أو طول، فلا يقبل منه إلا أن ينفذ ما أمر به، أو أن يمنع ما نهى عنه.

وإن كان الأمر أو النهي بالقلب، فهنا يمكن لصاحب أضعف الإيمان أن يكتفي، ويعتذر إلى ربه الذي خلقه فسواه..

وفي الأحوال الثلاثة لا ينبغي؟للآمر ولا للناهي؛ أن يتماهى مع القاعد عن المعروف، والملابس للمنكر، فلا يكون له خليطا أبدا ما استطاع إلى ذلك بديلا…

أعداء الله هؤلاء من سلالة ابن باعوراء كانوا يطاردون المسلمين وفيهم ذو الحاجة، أوقات الصلوات الخمس، مع ما في الأمر من سعة، ويغلقون الصيدليات في أوقات الجماعات، مع مسيس الحاجة إليها، وفي أمر صلاة الجماعة سعة، وإنما وسع الله أوقات الصلوات الخمس على عباده، رفعا للمشقة والحرج، وكم سمعنا من حكاية تقشعر لها الأبدان وهؤلاء الجلاوزة من الذين كانوا يسمون المطاوعة، لا تأخذهم في المسلمين رحمة، ولا اعتبار حال..

ولما مال من يسمونهم إمامهم مالوا..

أصحاب الأهواء قد مالوا

إلى من عنده مالُ..

كتبت لكم مرة

دخلوا فقراء إلى الدنيا.. وكما دخلوا، منها خرجوا

على الفحص الكامل..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1073