الآشوريون السريان في سورية.. مكون سوري أصيل وجناح مسيحي ثوري

الآشوريون السريان في سورية..

مكون سوري أصيل وجناح مسيحي ثوري

تقرير محمد غريبو

مسار برس (خاص)

يعتبر الوجود الآشوري السرياني في سورية وجودا تاريخيا قديما قدم سورية ذاتها، فكلمة “سورية” مشتقة من لغتهم السريانية، ويعتبر الآشوريون أقرب الشعوب إلى العرب في العرق والثقافة.

وقد شاركوا عبر تاريخهم الحديث بكل فعالياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية في بناء الدولة السورية وتقوية وحدتها الوطنية، كما أنهم اليوم جزء أساسي وأصيل من النسيج الوطني للمجتمع السوري.

أعداد الآشوريين قليلة نسبيا في سورية، ولا توجد إحصائيات رسمية بتعدادهم، ولكنهم يُقدرون بنصف مليون شخص، يتوزعون بشكل رئيسي في منطقة الجزيرة السورية في الحسكة بالإضافة إلى حلب وحمص ودمشق، ويشكلون حوالي ثلث مسيحيي سورية ويتبع أغلبهم الكنيسة السريانية الأرثوذكسية.

دكتاتورية لا تفرق وقمع ثلاثي الأبعاد

وبالرغم من تمتع الآشوريين بحريتهم الدينية إلا أن حالهم سياسيا في ظل حكم البعث لم يختلف كثيرا عن حال بقية المكونات السورية التي طالها ظلم آل الأسد وسط إنكار تام لحقوق الشعب بأكثريته وأقلياته.

وفي هذا الصدد يؤكد القيادي في “المنظمة الآثورية الديمقراطية” عبد الأحد اسطيفو لـ”مسار برس” أن الآشوريين تعرضوا في ظل حكم الأسد لـ”كلّ أصناف التهميش والإقصاء والحرمان من ممارسة حقوقهم القومية المشروعة وفي مقدمتها إنكار وجودهم القومي في وطنهم الذي استمدّ اسمه من اسمهم”، ويشير اسطيفو إلى أن “قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية وكوادرها تعرضوا للاعتقال أكثر من مرة قبل الثورة وأثناءها، إضافة للملاحقات والمضايقات والاستدعاءات الأمنية المتكررة بما في ذلك مداهمة مقراتها ومنع أعضائها من السفر، وذلك ردا على نضالها السلمي ومطالبتها بإقامة نظام ديمقراطي”.

وفي ذات السياق يقول القيادي الآشوري في الجيش السوري الحر ريمون يوخنا لـ”مسار برس” إن “نظام البعث لم يفرق في دكتاتوريته بين عربي وكردي وآشوري أو بين مسيحي ومسلم، فلم يعترف رسميا بنا وهذا أكبر غبن وظلم واجهه الآشوريون في عهد البعث منذ ستين عاما”. ويصف يوخنا القمع الذي مورس ضد الآشوريين بأنه “كان قمعا ثلاثيا لأننا سوريون ومسيحيون وآشوريون”.

أما مسؤول “اتحاد تنسيقيات السريان الآشوريين” جورج كورية فيتحدث لـ”مسار برس” عما عاناه الآشوريون على يد نظام البعث قائلا: “لقد عانى السريان الاشوريون من البطش والظلم والقتل والتهجير. ففي ظل حكم الأسد الأب والابن تم تهجير أكثر من ربع مليون سرياني آشوري من سورية نتيجة لسياسات التمييز التي تعرضوا لها، فقد تم استقدام أكثر من 100 ألف مواطن عربي من المنطقة التي غمرت مياه سد الفرات قراهم إلى منطقة الجزيرة السورية؛ وتم منحهم الأراضي الزراعية الخصبة التي استولت عليها الدولة من أبناء المنطقة من سريان آشوريين وأكراد؛ مما زاد من وتيرة الهجرة الداخلية والهجرة نحو الخارج”.

ويضيف القيادي الآشوري في الجيش السوري الحر ريمون يوخنا أن “أقدم معتقل سياسي آشوري هو ملكي يوسف الذي اعتقل منتصف سبعينيات القرن الماضي ولم يفرج عنه حتى الآن إضافة إلى غيره من المعتقلين”.

حماية الأقليات شماعة النظام

لقد دأب نظام الأسد طيلة الفترة السابقة على إظهار نفسه بمظهر المدافع عن الأقليات والحريص عليها وأن البديل عنه في حال سقوطه هم المتشددون والمتطرفون.

وفي هذا الصدد يقول القيادي في “المنظمة الآثورية الديمقراطية” عبد الأحد اسطيفو إن “أنظمة الاستبداد تستغل دوما مثل هذه الذرائع لدعم شرعيتها تجاه الخارج وترسيخ تسلّطها في الداخل، عبر تقديم نفسها بمظهر المناهض للإرهاب، واستخدام موضوع الإسلام السياسي المتشدد كفزاعة تلوّح بها في وجه القوى الديمقراطية ولا سيما أبناء الأقليات لتخويفهم من البدائل الأخرى لتكريس منظومتها الاستبدادية وضمان استمرارها في الحكم”.

ويعتبر مسؤول “اتحاد تنسيقيات السريان الآشوريين” جورج كورية أن نظام الأسد يستعمل مصطلح الجهاديين “كشماعة يريد أن يعلق عليها تجربة السوريين المريرة معه خلال ما يقارب 43 سنة من الحكم التعسفي بقبضة أمنية لم تشهد سورية له مثيلا على مر العصور”.

ويضيف كورية أن السريان الآشوريين “لا يحتاجون إلى النظام لكي يحميهم ممن دافعوا عنهم مئات السنين ولم يشهد تاريخ سورية القديم ولا الحديث أية حوادث اعتداء دينية أو طائفية تذكر”، معتبرا أن النظام “يعزف على أسطوانة مشروخة لكي يحافظ على استمراره في حكم القمع والتنكيل دون رادع”.

الحياة السياسية الآشورية

تحوي الساحة السياسية الآشورية مجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية أهمها:

المنظمة الآثورية الديمقراطية والتي تأسست عام 1957ـ الحزب الآشوري الديمقراطي الذي تأسس عام 1976- حزب الخلاص الآشوري 1993- التجمع الآشوري 2006- حزب الاتحاد السرياني أو “الدورونويه” 2011- الاتحاد السرياني الديمقراطي 2011- اتحاد تنسيقيات شباب السريان الآشوريين 2011- تجمع شباب سورية الأم 2012- التجمع الآشوري لقرى الخابور 2012 بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الآشورية المستقلة.

ويضم الائتلاف الوطني والمجلس الوطني السوري أعضاء من الكتلة الآشورية إذ يضم المجلس الوطني 14 عضوا آشوريا، ضمنهم عضو في المكتب التنفيذي وعضوان في الأمانة العامة، وهناك اثنان في قيادة الائتلاف الوطني السوري.

وتُعتبر “المنظمة الآثورية الديمقراطية” المعروفة اختصارا بـ”مطاكستا” أقدم وأكبر الأحزاب الآشورية المسيحية في سورية، ولها فروع في الخارج خاصة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وقد شاركت المنظمة في تأسيس إعلان دمشق في الداخل وتأسيس المجلس الوطني والائتلاف الوطني لقوى الثورة، وهي التي أطلقت الحراك الثوري الآشوري وتنسيقيات الشباب السريان وغيرها من التجمعات الثورية الآشورية.

ويعتبر القيادي في “المنظمة الآثورية الديمقراطية” عبد الأحد اسطيفو أن المنظمة كانت “الأكثر انخراطا في الحالة الوطنية السورية من خلال شراكتها وتحالفاتها في أطر المعارضة الوطنية الديمقراطية”.

ويؤكد مسؤول “اتحاد تنسيقيات السريان الآشوريين” جورج كورية لـ”مسار برس” على عدم وجود أية مشاريع انفصالية لدى الأقلية الآشورية إلا أنهم يطالبون بـ”الحقوق القومية المشروعة ضمن سورية” ويلخص كورية المشروع السياسي الآشوري بجملة من النقاط أهمها:

“الدفاع عن الحقوق القومية للشعب الآشوري كمكون أساسي وأصيل في وطنه سورية؛ والسماح له بتدريس لغته القومية واعتبارها لغة رسمية تدرس في المناهج الدراسية؛ والحفاظ على العادات والتقاليد التي ورثها منذ آلاف السنين؛ وحرية ممارسة شعائره الدينية وطقوسه؛ والعمل من أجل بناء دولة ديمقراطية علمانية مدنية تعددية على مبدأ المواطنة الحرة لجميع أطياف ومكونات الشعب السوري وعلى مبدأ سورية للجميع ولكافة أبناءها”.

ويضيف القيادي الآشوري في الجيش الحر ريمون يوخنا أن المشروع السياسي الآشوري هو “إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والمواطنة بغض النظر عن الدين والمعتقد والجنس، والاعتراف بكل مكونات الشعب السوري وحقوقه”. ولكنه يشير إلى أنه إذا سارت الأمور باتجاه التقسيم، وهذا ما لا نتمناه أبدا، فإن للآشوريين كامل الحق، بل أكثر من غيرهم ربما، كونهم “أصحاب الأرض الأساسيين وسكان البلاد الأصليين”، ولهم الحق في إقامة إقليمهم الآشوري السرياني في سورية أسوة بغيرهم، لكنني أكرر مع التشديد أن مشروعنا الوحيد المطروح هو سورية الموحدة أرضا وشعبا”.

الآشوريون في ظل الثورة

مع انطلاقة الثورة السورية انقسم الشارع الآشوري شأنه كشأن بقية مكونات المجتمع السوري بين مؤيد للثورة ومشارك فيها وبين مؤيد لنظام الأسد وبين من لم يحسم أمره إلى الآن.

ويرى عبد الأحد اسطيفو أن “السريان الآشوريون هم كغيرهم من مكونات المجتمع السوري، ففيهم من يدعم الثورة وفيهم من يوالي النظام وفيهم من يقف على الحياد والبعض مازال متحمسا للثورة، وآخرون تعبوا من تداعياتها وينشدون الخلاص وعودة الحياة إلى طبيعتها شأن الكثير من السوريين، كما أن البعض اختار طريق الخلاص له ولأسرته عبر الهجرة”.

فالآشوريون وبرأي اسطيفو “ليسوا استثناء عن بقية السوريين، إذ تنتابهم نفس المشاعر والأحاسيس، ومواقفهم تتقلّب مع تقلبات أحداث ووقائع الثورة السورية باستثناء من اختاروا الانحياز للثورة والانخراط فيها وهؤلاء مازالوا على مواقفهم وصلابتهم وإيمانهم بصحة خياراتهم التي هي خيارات غالبية الشعب السوري”.

ويضيف اسطيفو أن مشاركة أبناء الأقليات في الثورة السورية عموما وخاصة في طورها السلمي “كانت مقبولة نسبيا وكانت في حالة تصاعد مستمر، مع تجذّر ورسوخ أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة في وعي المواطنين، لأنها شكّلت حالة وطنية استقطبت كل السوريين على مختلف انتماءاتهم القومية والدينية”.

ويرى ريمون يوخنا أن “مشاركة الآشوريين قياسا بأعدادهم تعتبر مشاركة جيدة”. من جانبه يشير رئيس الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان أسامة إدوارد في حديثه لـ”مسار برس” إلى أن الحراك السلمي للآشوريين بدأ قبل الثورة السورية. “فقد كان الآشوريون السريان وعبر تنظيماتهم السياسية أحد أهم المشاركين في منتديات الحوار الوطني في مطلع الألفية. كما كانوا من أهم صناع ربيع دمشق ومن مؤسسي تجمع إعلان دمشق، وقد شاركت قيادة المنظمة الآثورية في اعتصامات المعارضة أمام مجلس الشعب السوري وقصر العدل وغيرها. ولا أبالغ إن قلت إن الحراك السلمي الآشوري ضد القمع والظلم والبعث يمتد الى السبعينات والستينات”.

ويعتبر جورج كورية أنه ليس صحيحا تماما ما يقال بأن مشاركة الآشوريين ضعيفة في الثورة السورية إذا ما قارنا ذلك بنسبتهم وفعالية المشاركة في الحراك الثوري السلمي منذ البداية، “فتنسيقيات السريان الاشوريين في الداخل والخارج شاركت منذ البداية بالتظاهرات السلمية جنبا إلى جنب مع بقية المكونات، كما ساهمت بفعالية بتشكيل لجان دعم ومساندة الثورة السورية وبالأخص إعلاميا لتعريف الثورة ونشر أخبارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أوعن طريق المقابلات ونشر الفيديوهات على نطاق واسع. وكردة فعل على هذه المشاركات قام النظام القمعي يوم الجمعة 20 أيار 2011 بمداهمة مقر المنظمة الآثورية في مدينة القامشلي وصادر محتوياته واعتقل 13 قياديا فيها بعد عودتهم من المشاركة في المظاهرة”.

ويضيف ريمون يوخنا ” شاركنا في مظاهرات 15 آذار 2011 كما قدمنا الدعم الإغاثي والإنساني للشعب السوري عبر “المنظمة الآثورية للإغاثة”، حيث قدمنا مواد غذائية وطبية للمناطق التي تعرضت لقصف نظام الأسد، ونحن أول من افتتح مستشفى ميدانيا في مدينة رأس العين وأوصلنا معدات طبية وعلاجية ضمنها سيارات إسعاف مجهزة بأحدث التقنيات الطبية وعلى نفقة اتحاد التنسيقيات الآشورية في أوروبا”.

ومع دخول الثورة السورية مرحلتها العسكرية كان الآشوريون لهم مشاركات فيها، ويشير القيادي في الجيش السوري الحر ريمون يوخنا إلى أن النشاط العسكري الآشوري مندرج تحت راية الجيش السوري الحر، ويعرف تشكيلهم باسم “الحماية المدنية الآشورية” مهمتها حماية القرى من العابثين والسارقين ومن أي محاولات لزج الفتن. إضافة إلى أنني شخصيا عضو في المجلس العسكري لمحافظة الحسكة التابع لقيادة الجيش الحر ونشارك في القتال عندما يطلب منا ذلك.

العلاقة الآشورية مع باقي المكونات في منطقة الجزيرة

يتحدث القيادي الآشوري في الجيش السوري الحر ريمون يوخنا لـ”مسار برس” عن العلاقة الاجتماعية للآشوريين مع باقي مكونات الشعب السوري في منطقة الجزيرة السورية، واصفا العلاقة بين الأكراد والعرب والآشوريين في المنطقة بأنها “كانت ولازالت جيدة بشكل عام وإن شابتها بعض التوترات التي كان النظام يصنعها ويشجعها، فنحن ومنذ آلاف السنيين عشنا بمحبة وتآخٍ، دون وجود أي حساسية بيننا، باستثناء بعض النعرات الطائفية أحيانا والتي كان يثيرها من لديه أجندات خاصة”.

أما القيادي في “المنظمة الآثورية” عبد الأحد اسطيفو فيعتبر أن “هذه العلاقة اتسمت بالإيجابية دوما، وإن عكّرتها في بعض الأحيان حوادث معزولة جرى تطويقها في وقتها بفعل إرادة العيش المشترك. وبعد الثورة استمر الانفتاح والتفاعل، وتكثّفت اللقاءات بين القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والدينية وتمخّض عن ذلك تشكيل هيئات للسلم الأهلي، لكن ذلك لم يمنع من ظهور توترات واحتقانات اتخذت أحيانا صفة الحساسية القومية لاسيما بين العرب والأكراد على خلفية الاستقطابات التي أفرزتها الثورة السورية”.

ويؤكد مسؤول “اتحاد تنسيقيات السريان الآشوريين” جورج كورية أن العلاقة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين المكونات الثلاثة جيدة، نظرا لتشابك وتداخل العلاقات من جميع النواحي، إلا أن “سماح النظام بدخول عناصر من حزب العمال الكردستاني PKK إلى سورية وتشكيل الذراع السوري لها تحت اسم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD وقيامه بالسيطرة على المدن والمنشآت الحكومية تحت حماية النظام، الذي قدم الدعم له بالمال والسلاح، وترت العلاقة بين بعض المكونات وخاصة المكونين العربي والكردي؛ فقد خلق هذا الواقع الجديد ردة فعل طبيعية من المكون العربي واعتبره استفزازا يجب الرد عليه بالمثل”.

ويشير ريمون يوخنا إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي “حزب له علاقات متشعبة ومتعددة وهو ما يثير لدى السوريين علامات استفهام ويدفعنا لنكون حذرين في التعامل معه، كما أن الحزب ليس الممثل الوحيد للأكراد بل هو جزء من المكونات السياسية للشعب الكردي، فهناك المجلس الوطني الكردي وهناك مجموعة كبيرة جدا من المستقلين الأكراد. فتصرفات هذا الحزب ونزعته الإقصائية ليست فقط ضد العرب والآشوريين ولكن ضد الأكراد أنفسهم، فالحزب مثار قلق كبير لأبناء الجزيرة”.

وفما يخص مسودة المشروع الذي قدمه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منذ فترة لتشكيل حكومة مؤقتة تضم وزارات وبرلمانا ودستورا يؤكد عبد الأحد اسطيفو أنه “من السابق لأوانه طرح مشاريع لا تحظى بالتوافق والقبول من كلّ المكونات خصوصا في منطقة شديدة التنوّع القومي والديني كالجزيرة السورية، كما أنّ أيّ إطار دستوري أو قانوني يجب أن ينبثق من الإرادة الوطنية للشعب السوري عبر هيئاته ومؤسساته الوطنية التمثيلية المنتخبة بعد زوال نظام الاستبداد، ثم تجري بعد ذلك عمليات التكييف والملاءمة مع خصوصيات المناطق وبما لا يتعارض مع روحية المنظومة الدستورية والقانونية على المستوى الوطني”.

كما يؤكد ريمون يوخنا أنه “لا يمكن لأحد مكونات الجزيرة الثلاثة الرئيسية العرب أو الأكراد أو الآشوريين السريان أن يقرر مصير الجزيرة بمفرده دون مشاركة الطرفين الآخرين، ولن تنجح أي محاولة إذا لم يشارك فيها جميع الأطراف”.

ويعتبر جورج كورية أن علاقة الشعب الآشوري السرياني بالشعب الكردي تاريخية وقديمة إلا أن “الآشوريين يتحسسون كما هو حال الشعب العربي في الجزيرة السورية من مخططات الـPYD وتسمية المنطقة بـ”غرب كردستان” دون التشاور مع البقية، فالحزب يحاول أن يفرض سياسة الأمر الواقع من خلال تشكيل حكومة ووضع دستور ونحن نرفض مبدأ التهميش والإقصاء من أية جهة كانت وتحت أي مسمى، أبناء المنطقة جميعا لهم نفس الحقوق والواجبات عندما يتعلق الأمر بتقرير مصير المنطقة”.

ويضيف جورج أن “تحركات الـPYD تبدو للوهلة الأولى وكأنها تحمل أجندة كردية للسيطرة بالقوة على المنطقة، ولكن في حقيقتها هي تنفذ أجندة النظام ودول إقليمية مثل إيران لزعزعة أمن المنطقة وخلق صراع طائفي قومي تستطيع أن تستعمله لاحقا كورقة ضغط على المجتمع الدولي والحفاظ على برنامجها النووي”.

مستقبل الآشوريين

في ظل الانقسامات السياسية بين صفوف المعارضة السورية وما يعانيه المجتمع السوري من غياب للأمن وانتشار اللصوصية في كثير من المناطق واستمرار مسلسل القصف والتدمير اليومي لقوات الأسد يلف الغموض مستقبل سورية كلها وتتجدد المخاوف لدى كثير من الأقليات.

ويرى عبد الأحد اسطيفو أن “البيانات والمجاملات والشعارات الطنّانة لا تكفي لإشاعة الاطمئنان أو بناء الثقة المتبادلة بين المكونات، فما يبني الثقة ويعزز الشراكة هو التفاف الجميع حول أهداف الثورة في الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء دولة القانون والمواطنة، بالإضافة إلى ضرورة انخراط الجميع في جهود الثورة للخلاص من نظام الاستبداد والفساد، وبناء نظام ديمقراطي مدني حديث يستلهم قيم الحداثة واحترام حقوق الإنسان ويحيّد الدين عن شؤون الدولة والحكم، بهذا يمكن طمأنة جميع السوريين”.

ويشير اسطيفو إلى أن “استمرار الأزمة السورية وتدهور الأوضاع المعيشية، وتفشّي حالة من الفوضى وانتشار أعمال الجريمة المنظمة من خطف وابتزاز وسرقات واعتداء على الممتلكات طالت الكثيرين من السريان الآشوريين في مدن وبلدات الجزيرة السورية، تثير مخاوف الكثيرين من الاستهداف على أساس الهوية الدينية والقومية ومن انعدام الأمن والاستقرار وتضافر ذلك مع الخوف من المجهول وتنامي التيارات المتطرفة والخشية من تكرار مأساة مسيحيي العراق، كلّ هذا أدى إلى ارتفاع وتيرة الهجرة بين صفوف السريان الآشوريين وبلا شك فإنّ هذا ينطوي على خطر حقيقي على وجودهم القومي في وطنهم، وهذا الأمر يمثل خسارة وطنية جسيمة وقضاء على حالة التعدد والتنوّع، ومعالجته تقتضي تضافر كلّ الجهود الوطنية من أجل وقفه أو الحدّ منه”

أما ريمون يوخنا فيعتبر أن “الانقسام بين أطياف المعارضة لا يخدم الثورة ولا أي مكون من مكونات الشعب السوري، وطبعا لا يخدم شعبنا الاشوري السرياني لأننا بطبعنا وعبر التاريخ نجنح للسلم، وإطالة أمد الأزمة يدفع بأبناء شعبنا للهجرة سعيا وراء الأمن والاستقرار وهذا يفرغ سورية ومنطقة الجزيرة من أهم وأقدم مكوناتها؛ كما لا يجب أن ننسى أن اسم سورية استُمِد من الآشوريين ولذلك فإن هجرة الآشوريين من سورية يعني عمليا فقدانها لمعنى وجودها”.

من ناحيته يقول جورج كورية “نحن لا نفصل بين مستقبل السريان الاشوريين ومستقبل بقية مكونات الشعب السوري، فهم جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري يساهمون فيه ويتفاعلون معه، وما يصيبه يصيب الجميع. الخلافات بين أطياف المعارضة حالة صحية لبناء سورية الغد ولكن الاختلافات في هذه المرحلة الحساسة من عمر الثورة بالتأكيد ستضر ليس فقط بوجود الشعب السرياني الاشوري في سورية بل بالشعب السوري قاطبة؛ وسينعكس ذلك سلبا على مستقبل سورية كدولة”.