أليس منكم رجل رشيد؟
قد يظن بعض المسلمين من أهل السنة ،أن التقرب إلى الله وأن نيل الحظوة عند نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يزداد طردا كلما كان الدفاع عن الله ونبيه ، أشد ضراوة وأكثر عنفا .
والتسجيل الصوتي المسيء للنبي محمد قد استفز الآلاف من أهل السنة، فخرج المتظاهرون إلى الشوارع في معظم المحافظات السورية غاضبين، منددين ، مستنكرين .
والتسجيل كان منسوبا إلى أحد الأشخاص من الطائفة الدرزية ، مما أشعل الاشتباكات الدامية في جرمانا وصحنايا موطن الطائفة ، اشتباكات أسفرت عنها العشرات من القتلى والجرحى .
ومن يتبع سنة النبي حقا ، وينعم في العيش تحت ظلالها، ويهتدي بأنوارها، يدرك الخطأ الفادح الذي اقترفه هؤلاء القوم !
ومما يروى في السيرة النبوية الشريفة ، أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم ، ففهمتها فقلت :وعليكم السام واللعنة .
فقال رسول الله: مهلا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقلت: أولم تسمع ما قالوا؟ .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: قد قلت وعليكم.!
وفي القرآن جاء الأمر الإلهي للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أن يسير على خطى النبي إبراهيم
*ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا.* باعتبار أن إبراهيم كان أمة
*إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين*
والوزن القيادي للنبي إبراهيم ودعوة نبينا محمد ومن تبعه، لاقتفاء أثره يكمن في كونه
"قانتا لله" ، لا للملوك، ولالأهل السلطة، ولا لأصحاب الأموال .
"حنيفا" ، لايميل إلى الباطل ، ولايتنكر للحق ، ولا يؤثرالمنفعة الذاتية على إعلاء كلمة الحق ، وفي ذات الوقت لا يبالغ ولايغلو في الدفاع عن المقدسات ،وإنما يلتزم الحكمة والاتزان والحجة البينة في معالجة التحديات واضعا الأمور في نصابها.
وهكذا فقد قدم السياق القرآني النبي إبراهيم ، محاورا فذا ، ومدافعا محنكا عن الذات الإلهية، عندما اصطدم مع الملك النمرود، فأبلسه .
والتحدي القائم بين إبراهيم وبين الملك ، كان من يستطيع أن يهب الحياة ، ومن يملك أن يسبب الموت.
والملك كأي حاكم مستبد كان يملك القوة لاعتقال من يشاء من الرعية لينفذ فيه حكم الموت ، أو أن يعف عنه ليهب له الحياة . ولو أن إبراهيم قد أصر في حواره على أن الله وحده هو المحيي والمميت ، وانزلق في غضبه وحميته إلى دائرة العنف ، لربما قضى الملك على نصف شعبه مثل أي سفاح ، كإثبات منه على ذلك . ولكن إبراهيم بحكمته قد أدار دفة الحوار إلى شأن علمي بحت . وأن الله يأت بالشمس من المشرق ، فليأت بها الملك من المغرب، فبهت الذي كفر .
وإبراهيم تحاور أيضا مع قومه ، فاتخذ معهم استراتيجية عجيبة ، عندما أوهمهم أنه موافق على مزاعمهم وأن كوكبا يمكن أن يكون إلها ، واستدرجهم في الحوار... حتى إذا شهدوا بذات أنفسهم أن كل كوكب وكل نجم مهما علا شأنه ، وسطع ضوؤه لامحالة آفل ، كرّ عليهم بالنقض بانيا حجته على التبصر والعقل ، وأعلن بقوة
*إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا *
أما الحوارالأقوى ، فقد نطق به إبراهيم عندما حسم الأمر على أرض الواقع وحطم الأصنام ، إلا أكبرها ، وفرض رأيه بقبضة اليد وقوة الفاس.
"قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون*
وهكذا فإن النبي إبراهيم قد اتبع عدة استراتيجيات لاثبات حجته ، بين الحكمة والتروي حينا ، والإقناع حينا ،والقوة حينا آخر.
لقد نجحت الحكومة السورية بالأمس في بسط يد القوة ، فأسقطت، مشكورة ، نظاما مجرما سفاحا ، وسحقت أصنام الطغيان والفساد ، كما التزمت بسياستها الخارجية بأسلوب الإقناع والدبلوماسية .
ولكن ما يلزمها اليوم الكثير من الحكمة والتروي أمام المستفزين الساعين لإشعال نار الفتنة بشتى الوسائل ، وما أسهل ذلك في عصر تنتشر فيه الأخبار والوشايات على صفحات التواصل انتشار النار في الهشيم.
وأمام التسجيل الاستفزازي الساعي للفتنة كان أجدر بالحكومة أن تصدر بيانا فوريا باستنكار ماجاء فيه ، ثم التعهد التام لمعرفة هوية المسيء والتوعد بعاقبته ، وتنبيه الشعب إلى الفتنة ، وتبرئة الطائفة الدرزية كطائفة من أصل النسيج السوري، وبأن المتهم فرد ولايمثل الفرد طائفة ، وإن كان منها ، ولا أظنه منها بل لعله صهيونيا مأجورا ، وبالتالي عدم السماح لأي مظهرمن مظاهر الشجب والاستنكار فالهدف واضح وهو جر البلاد إلى حرب طائفية تودي بسوريا إلى التفكك وبالتالي سهولة الهيمنة الإسرائيلية .
إن تأسيس الدولة اليوم تستدعي أن يقتفي المؤسس خطوات إبراهيم في حواره الذي جمع الحلم والأناة مع المستفزين ، ومع الخارج بالعلم والمعرفة والإقناع، ومع المخربين حاملي السلاح بالقوة والبأس .
"قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه"
لقد أنكرنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على زوجه المزايدة ولو بكلمة واحدة حين انبرت للدفاع عنه، ولابد أنه سينكر على المسلمين اليوم وقوعهم الساذج في هوة الفتنة التي زرعها أحد أيتام النظام البائد أو أحد أذرع إسرائيل .
والقرآن أزجى لنا درسا في قصة أهل الكهف عندما أدركوا بفطرتهم السليمة أن نيل الرحمة للنجاة من الطغيان شرط لازم ولكن غير كافي فأتبعوه بالدعاء لتهيئة الرشاد في أمورهم وحاضرهم ومستقبلهم *ربنا هب لنا من لدنك رجمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا*
الرشاد فيه اختزال لكل المسالك التي انتهجها النبي ابراهيم .
والرشاد هو المرجواليوم من البطانة لدى الحكومة الجديدة .
ولاستكمال تقفي خطوات النبي إبراهيم عليه السلام لا بد من استحضار دعائه:
*وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات *
وسوم: العدد 1125