‏أكتب هذا على مسؤوليتي...

نعم ترافق انقلاب الثامن من آذار 1963 مع كثير من القرارات الاقتصادية التي دمرت سورية، كان التدمير الاقتصادي في سورية ممنهجا. وكان من أهدافه تدمير الطبقة العصامية الوطنية، التي كانت تقود بوعي عملية التطوير الاقتصادي الوطني. ووضع مفاتيح الثروة بشكل عام، بيد مجموعة من الفاسدين، تقبل بأن تدفع الخراج أو إذا شئم الجزية لكبار الرعاة والحماة من ضباط الأمن المتسيدين الجدد..

‏ورغم كل المعاناة الاقتصادية التي كان يعيشها عموم الناس في سورية، ورغم تهتك نسيج الطبقة المتوسطة، التي كانت تشكل السواد العام في المجتمع السوري…

‏إلا أن الشعب السوري لم يعلن ثورة ضد الجوع ولا ضد الفقر .. ومع أن من حق الناس أن يثوروا من أجل ذلك، كيف وقد قال أولنا: عجبت لمن جاع ولم يشهر سيفه!! كيف وقد كنا نعلم أن كثيرا من المدن التي كانت تعتبر معارضة، مثل حماة وحلب؛ كانت تفتعل فيها الأزمات افتعالا كنوع من العقوبات الجماعية، لكي يظل المواطن يطارد رغيف الخبز على باب الفرن، وجرة الغار، وليتر المازوت لدفء أطفاله في فصل الشتاء.

‏وأقول ورغم كل ذلك، فلا أحد من الثوار الحقيقيين والجادين؛ ثار من أجل الرغيف.. ويجب أن يكون هذا معلوما لدى الحاكم والمحكوم على السواء..

‏عنوان محفوظ في كتب تراثنا تهمس به أم العيال في أذن زوجها: اتق الله في لقمتنا.. نصبر على الجوع ولا نصبر على الحرام..

‏عندما تحدث الشهيد سيد قطب عن الثأر كان واضحا فقال: سأثأر لكن لرب ودين.

‏ولقد ثرنا وثار الملايين من أبناء شعبنا؛ دفاعا عن دين وعن عرض وعن كرامة.. هذا الكلام لضبط ترتيب الأولويات، فلا يتقدم بعضها عن بعض…

‏ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. وحياتنا الطيبة هي الحياة التي تنتظم فيها حقوقنا الأولوية: حقنا في الالتزام بالدين الذي ارتضاه الله لنا. وحقنا في الحياة الحرة الكريمة، ليعلم من يجهل أننا لسنا من أحرص الناس على حياة. ثم حقنا في صيانة أعراضنا فلا يستهتر بنا مستهتر، ولا يفرض علينا قماءة قميء.. وآخر ما في متوالية الترتيب حفظ ما به قوام عيشنا..

‏فلا يتقدم ما أخره الله على ما قدمه.

‏أصون عرضي بمالي لا أدنســــــــــه

‏لا بارك الله بعد العرض بالمال!!

‏كلام اقتضته الضرورة أو استدعته الصيرورة..

‏اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1127