رسالة إلى الشيعة
إذا كان في الشيعة عقلاء فلا شك أنهم يدركون أن الظرف مناسب ليحسنوا علاقتهم بأهل السنة ويعودوا إلى حياض الأمة بدل القبوع في الهامش باستعلاء غريب، فخلال عدوان الكيان الصهيوني على إيران وقف أهل السنة – علماء وجماهير – وقفة رجل واحد مع طهران لأنها مظلومة وأشادوا بأداء الجيش الإيراني وتفاعلوا مع الضربات التي أوجع بها الطرف الصهيوني وانتشوا للدمار الذي طال المدن المحتلة في فلسطين وأشادوا بكل هذا واعترفوا أن إيران فعلت بالعدو في هذه الحرب ما لم تفعله الأنظمة العربية المنتسبة للسنة منذ قيام الكيان الغاصب، فينبغي على العقلاء استثمار هذا الرصيد من الثقة للخروج من القوالب الجامدة والتقدم بخطوات صادقة نحو عموم الأمة وتطليق تلك الفكرة القاتلة التي كبلت أيدي الشيعة منذ عشرات السنين وهي رغبتهم في تشييع أهل السنة بدل التقرب منهم، وقد أثبتت التجارب الطويلة المتكررة عدم جدوى مساعي "التقريب" بسبب موقف الطرف الشيعي الذي لم يهدف منها إلا إلى التمدد في بلاد أهل السنة وفرض مذهبه وطائفيته.
الظروف السياسية التي أفرزها طوفان الأقصى – من تحرير سورية إلى ضرب إيران لعمق الكيان – تفرض فهم المعادلة الجديدة جيدا والانتقال من استصغار أهل السنة والعمل على تشييعهم إلى موقف أكثر عقلانية وواقعية يتمثل في ربح الصف السني وإحياء معنى الأمة الواحدة إن لم يكن على مستوى العقيدة فعلى مستوى تكثير الأصدقاء بدل الأعداء، وأرى أن يتقدم الطرف الإيراني والشيعي عموما نحو أهل السنة على أربعة مستويات من الفعل من أجل إبداء النضج والمسؤولية وبعث رسائل الطمأنة وحسن النية، تكون كالتالي:
- يجب كخطوة أولى ذات مصداقية أن يتخلى الطرف الشيعي عن رغبة التوسع المذهبي والطائفي في البلاد السنية تخليا واضحا تنتج عنه آليا عودة العراق واليمن ولبنان إلى وضعها الطبيعي كبلاد سنية خالصة تستوعب الأقليات العتيقة الموجودة في المشرق ومنها الشيعة انتهاء بعودة إيران نفسها – ولو بعد حين - إلى أهل السنة كما كانت لمدة تسعة قرون أو يزيد.
- أما المستوى الثاني والآني أيضا فهو إعادة نظر الشيعة في تعبدهم بإهانة رموز الإسلام وازدراء قامات أهل السنة، في مقدمة ذلك رفع اليد عن اتهام القرآن الكريم بالنقص والتحريف وتفسيره تفسيرا باطنيا خالصا لا يترك مجالا لأي علاقة ودية تُبنى على أساسه مع أهل السنة، هذا إلى جانب الإساءة المستمرة للصحابة رضي الله عنهم وهم الركائز المتينة التي رفعت دعائم الإسلام، ورسل الخير الذين أوصلوا لنا الإسلام، والحس المسلم يرفض هذه الإساءة إليهم وهم منارات الهدى ومصابيح الدجى بينما يتلذذ الشيعة – مراجع وأتباعا – بذلك تلذذا تعبديا.
- و لا تستقيم علاقة جديدة بين الطرفين إلا بإعادة الاعتبار لأهل السنة في إيران، وهم يعانون منذ ثورة الخميني تهميشا رهيبا وظلما بيّنا وصل حد عدم وجود مسجد لهم في طهران ولا حقوق لهم في إقليم الأحواز المحتل، هم يمثلون نحو 20% من السكان وليس لهم أي تمثيل في البرلمان مع أن اليهود والمجوس لهم ممثلون فيه، والتهميش يطال اللغة العربية لدى الطائفة العربية بل تعداها إلى جنوب العراق الذي فرضت عليه الفارسية فرضا، وعربون صدق الطرف الإيراني هو إعادة الأمور إلى نصابها وتمكين الأقلية العربية والسنية من حقوقها الطبيعية السياسية والثقافية والكف عن تهميشها...وهذه أمور تتحمل المسؤولية فيها المراجع الدينية الرسمية والشعبية وكذلك الحكومة الإيرانية لأنهم هم الذين اتبعوا سياسة معاداة أهل السنة في الداخل والخارج وأججوا الخلاف بين الطرفين، وخير شاهد على ذلك القنوات الشيعية التي تبث بالعربية – وما أكثرها – والتي تسوّق الخطاب الطائفي والمذهبي بكل عدوانية حتى في البرامج والحصص الموجهة للأطفال، وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات وفيديوهات معممي الشيعة التي يصرحون فيها تصريحا بعداوتهم لإسلام أهل السنة أي للدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وها هو واحد من أكثر شيوخهم حدة وصراحة – ياسر الحبيب – يقسم بأغلظ الأيمان ويباهل مناظريه بأن عائشة بن أبي بكر معلقة من عينيها في قعر جهنم منذ وفاتها وإلى قيام الساعة ويومها ترد إلى أشد العذاب.
- على الشيعة أن يعتبروا بالتاريخ ولا ينسوا دروسه في غمرة قيام دول تابعة لهم وامتلاكهم قوة جديدة لا يملكها اهل السنة بسبب الأنظمة الوظيفية التي تحكم بلدانهم، فقد أقاموا لهم بالقوة دولة العبيديين في المغرب العربي ثم اندثرت ولم يبق منها أي أثر ولا شيعي واحد إلى اليوم، ثم انتقلوا إلى مصر وأنشؤوا بالقوة الدولة الفاطمية فاستقوت ودامت ردحا من الزمن ثم نبذتها تلك البلاد العريقة في إسلامها ولم يبق منها أي أثر، حتى معْلمهم الكبير – الأزهر – أصبح منارة سنية خالصة.
لعل هذا يدفعهم إلى القبول بكلمة سواء تقوي الصف الإسلامي وتُرهب العداء.
وسوم: العدد 1128