انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم أغلق باب الإخبار عن الأمور

انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم

أغلق باب الإخبار عن الأمور

د. كريم الصغير

[email protected]

·        (العقل بين النظرية والعملية) .. انقطاع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم أغلق باب الإخبار عن الأمور الغيبية في تكليف واضح للعقل يناسب التصديق أو التكذيب، لا من باب القمع والإلغاء لكن من باب إعمال قدراته في نواح أكثر ملاءمة، وتوفير الجهود الذهنية فيما ينفع وحفظها من الإرهاق لا تضيع في جدالات  لا تفيد البشرية شيئاً بل هي إلى إفسادها أقرب، وعليه فالمتكلم في الأمور الغيبية دون استناد لوحي ثابت صحيح يحمل العقل عبء معالجة معطيات ثابتة للوصول إلى نتيجة جديدة دون تطوير كيفية المعالجة، وهو في ذلك أشد سفاهة ممن يدخل بيانات غير منطقية في حاسوب يعتمد على المنطق ءاملاً الفوز بنتيجة منطقية جديدة دون تطوير كيفية المعالجة أو ءالتها، وأشد سفاهة من يتبنى وهماً  على أنه نتيجة إبداعية لتفاعل تلقائي دون معالجة لأي بيانات أو معطيات.

·        (كسر الحواجز) .. التجربة -وإن فشلت- فهي في ذاتها تحطيم الموانع وتوضيح الطريق تعزز مناطق القوة وتظهر مكامن الضعف وترشد إلى استكمال النقص، تكسبك خبرة ومهارة تستجلب –حتماً- النجاح الذي يولد الابتكار والإبداع.

·        (العقل بين التعطيل والتفعيل) .. بعد أن كان تائهاً بين خرافات الكهنة والعرافين، كالّاً من سآمة التشريعات المحرفة مقيداً بجمودها، يخنقه القمع والتسلط، ينساق وراء رغبات الجوارح الحيوانية، تُستَنْزَفُ جهوده في جدليات وافتراضات خيالية لا طائل من ورائها، تسد الأساطير والأكاذيب منافذ المعرفة أمامه، لا يعرف من أين أتى، ولا إلى أين مصيره، أتاه الإسلام! الإسلام الذي كرم العقل كما لم يُكرّمه أحد، فأزال عنه معاناته مما سبق، وفتح له ءافاقاً جديدة تعيد فيه روح الحياة، فأخبره عن أمور غيبية لم يكن له الحصول عليها دون وحي أو رسالة تباشره بالخطاب والتكليف، فأثار فيه قدرته على معالجة المشاهد للاستدلال على صدق ما بلغه عن طريق التدبر والتفكر والتحليل، فيؤجر على هذا التصديق، وسن له أوامر تشريعية تستثير فيه قدرته على فهمها وتطبيقها، إما محددة، وإما مجملة يكيفها على النوازل والمستجدات بما لا يخل بقدسيتها ومقاصدها، مما يثير فيه مرونة توائم التطورات على نوعيها المكاني والزماني في غير جمود يحجمه ولا ميوعة تضيع ملامحه، فيكون له بذلك التسليم أجر مضاعف. ولم يحمله ما لا يطيق من معطيات غيبية تعجزه أو أوامر تعسفية تنفره، وترك له كامل الحرية في أمور الحياة بما يثير فيه روح التجربة والممارسة والاختراع والابتكار يتنفس فيها الإبداع والتميز والاستقلال. ولم يتركه هملاً دون تشريعات تحافظ على هذه الحرية تمنعه من الغرور وتجاوز حريات الآخرين فيفسد المجتمع أو تخضعه لسطوة طغيان الآخرين فيفسد كفرد، في موازنة فريدة، فهو محل الخطاب والتكليف، تأتمر الجوراح بقيادته وله ثمار كسبها، بل لا تحقق ثماراً مهما عملت ما لم يشاركها هذا العمل. فهو أول مقاصد الشريعة ولا يقوم مقصد منها بدونه.

·        (فوائد الحوار) .. قال تعالى: [وما قدروا الله حق قدره إذا قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا ءاباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون] (الأنعام: 91) فالإقناع –وإن كان دليلاً على نجاح أحد الطرفين في الحوار وإن كان الغاية من الحوار- إلا أنه ليس ثمرته الوحيدة (كما يظن البعض)، بل للحوار ثمرات أخرى منها إظهار الحق وإقامة الحجة ودفع الشبهات وإسماع الآخر وإزالة التهم .. وغيرها. وبتعميم الأمر في مجالات الحياة ونشاطات الإنسان (على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح)، فلا يمنعك حرمانُك من غاية سعيك السعيَ، ولكن واصل (فمن سار على الدرب وصل).

·        (مهما ..)

o       آيات المنافق ثلاث (مهما) حاول إخفاءها ظاهرة

o       إذا حدث كذب (مهما) تحرى الصدق

o       إذا وعد أخلف (مهما) حاول الوفاء

o       إذا اؤتمن خان (مهما) حافظ على الأمانة

§        لا لشيء ولكن فقط لسوء باطنه

·        (ءاداب).. من ءاداب الطارق إذا سأله أهل الدار عن هويته أجاب ولا يكتفي بقوله: أنا! ويقاس عليه طارق الهاتف والجوال وطارق الميل وطارق الفيس بوك... وغيرهم! ومثل ذلك الاستئذان؛ لا يزيد عن ثلاث.

·        حرية التعبير من الأسلحة الفتاكة لا تعطى للأشخاص دون التمرن عليها والتدريب في ميادين مجهزة تضمن سلامة كل من المتدرب والآخرين.

·        الحرية لا يمكن أن تكون مطلقة لتفاوت النوايا والأهداف والنزعات والأمزجة وتعارضها.

·        الحرية كدرجات الحرارة، زيادتها محرق وانخفاضها مجمد، ولا يعيش المجتمع الإنساني إلا في الأجواء المعتدلة.

·        عملياً؛ فرقٌ بين حرية الفكر وحرية التعبير عن الرأي، فالأول مصطلح نظري لا وجود له فالفكر حر طليق لا يملك أحد أن ينزع عنه حريته ولا يتصور عقل يطالب بحريته في ذلك إلا لو أراد بذلك ثمرته من تعبير، والآخر يتطلب رقابة ترشده لا يزيد فيفسد الفرد ثم المجتمع ولا يمنع فيركد المجتمع وينشأ أفراد فاسدون.

·        الفكر نشاط حضاري، مادته المعلومات، وآلته العقل، ونتاجه الثقافة. فالنتاج الثقافي السليم النافع يستلزم جودة المواد الخام وصلاح آلة المعالجة. فلما كان عطل الآلة يؤدي إلى إتلاف المواد الخام، وكانت رداءة المواد الخام تؤدي إلى عطل الآلة، وكان صلاحهما معاً يضمن جودة المنتج، فإن صلاح العقل وصحة المدخلات تنتج فكراً طيباً، والخلل في أحدهما يستهلك الجهد وينتج فكراً مشوهاً ضاراً. وحرية التعبير والتلقي بمثابة التبادل التجاري للمنتج وإشباع حاجة المستهلك. يستلزم الأمانة، وقد يعترضه الغش، ولا يخلو من مستهلك أحمق أو تاجر أناني جهول يستخدم كلاهما المنتوجات في غير وظيفتها؛ يهدرها ويحرم منها المجتمع أو يصدر له منتجات تحمله عبء التخلص منها. فإذا شرعت القوانين وأسست الرقابة على النشاط التجاري للسلع المادية حفاظاً على صحة المستهلك وضماناً لحق انتفاعه في عملية التبادل، وحماية للكل من جشع البعض وضماناً للتوزيع العادل على المتلقي والإبقاء على التنافس الشريف بين المنتجين الذي يبقي على حيوية النشاط وإنتاجيته، كان من الأولى رقابة التبادل الثقافي لحماية العقول من تلقي نتاج فكري فاسد يسبب دمار المجتمعات لا سيما مع وجود عقول لم تكتمل قدرتها على التمييز الكامل في الأطفال والبسطاء من غالب المجتمع ومع وجود عقول مريضة مختلة، ومصادرة كل فاسد يعيق العملية الفكرية السليمة من أوهام عقيمة أو نظريات جدلية غير هادفة من شأنها تعطيل النشاط الفكري أو تخريب آلة التفكير، والحد من إهدار بعض الحمقى للأفكار القيمة في عقول خربة.