الوجه الآخر للسرقة

معمر حبار

[email protected]

طلبه في حديث خاص حول انتقال ابنه، ثم تشعّب الحديث، إذ به تثور ثائرته، لأنه طلب من الخال، أن يقدّم لابنه دروس دعم في مادة الفيزياء، فطلب منه 3000 دج في الشهر الواحد، ولمدة 04 حصص في الأسبوع. فقال محدثه، إن البروفسور وهو أعلى رتبة في الجامعة، يتقاضى 737 دج للساعة الواحدة. فكيف بهذا الأستاذ، ناهيك عن كونه الخال، يطلب هذا المبلغ، وهو الذي يتقاضى رسميا 170 دج للساعة الواحدة .. فانظر إلى الفرق.

إن السرقة مذمومة مهما صغرت، ومحتقر صاحبها ولو كان محتاجا إليها، وتظل في عنقه إلى أن يردها لصاحبها ولو كان قاتل الولد والوالد، ولايسمى تائبا إلا إذا انقطع عنها إلى الأبد، وكره العودة إليها، وكل مايؤدي إليها ..  وأسوء أنواع السرقة وأخطرها ، من اتّخذ الفضيلة مطيّة للرذيلة، والبياض سلّما للسواد، والمهنة الشريفة ليمتهن أسوء المهن وأحطّها. وإذا شئت توضيحا، فإليك بعض الأمثلة ..

هذا يعمل في مؤسسة عمومية أو خاصة، يتقاضى راتبه الشهري، قليلا كان أم كثيرا، لايقوم بعمله المعتاد، إلا إذا دُفع له تحت البساط .. والشركات العملاقة التي أفلست، كانت بسبب السرقة التي تعرّضت لها من طرف أبسط عامل وأعلى مسؤول. فكل منهم يأخذ مااستطاعت أن تصل إليه اليد، ولم تراه العين، فتم تحطيم الشركات التي أنفقت في سبيلها سنوات من العرق والأموال .. ومنذ 03 أشهر تم القبض على حارس، يدفع بكراسي الطلبة من وراء الجدر، ويعرضها للبيع .. ومنذ سنوات، طلب أحد الأساتذة 10 صناديق من العنب لإجراء تجاربه العلمية، ثم تبيّن أن التجربة لاتحتاج أكثر من 03 كلوغرام من العنب .. ومدير ابتدائية يفتخر في مجلسه ويقول، أن الشجرة التي غُرست ليستظل بها التلاميذ الضعفاء، أخذها إلى بيته، ثم كتب تقريرا أن الشجرة سُرقت .. وإمام يسطو على المعونات التي قُدّمت للطالب الذي سهر على القيام بصلاة التراويح .. وباسم الآيات، يعبث الرَاقِ بجغرافية العذارى .. ولاعب يتقاضى مايُسيل اللّعاب، وهو الذي لم يجد له مكانا في كرسي الاحتياط بالفريق الوطني .. وقلم يتّجه أنّى اتّجه الدينار والدولار .. وآخر يقول أن الغناء الوطني، لم يعد يجلب القوت، فضيّع في سبيل "القوت !" الصوت والوطن .. وآخر يستغل نقاط تلامذته في السطوعلى الذي لايقبل القسمة ولاالبيع .. وصحيفة تتعدى على حقوق كتّابها، فتحرمهم حقوقهم المادية.

إن السارق الذي يسطو في النهار، معروف محدّد، يمكن شلّ حركاته ومنعه، وللمجتمع أن يجد له الدواء المناسب للداء الذي ابتلي به .. لكن الفساد يزداد تعقيدا، حين يتّخذ الطهر والبياض واجهةً، يستغلها في صيد الضحايا والاطاحة بهم.