شكرًا لك أيها الخطأ

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

عندما يكون الخطأُ مِفتاحا لجملة شاعرية أو مفتتحا لنص قصصيّ، فاقتنص بريق ذلك الخطأ اللطيف، وقل كما كنت تقول: "شكرًا للخطأ"! فمنذ مدة لم أشكر خطأ ما، فاليوم سأشكر كل أخطائي دفعة واحدة! إذ لم يكن هذا العمر محملا إلا بالكثير من ثمار الخطأ، ثمار كانت ناضجة في خطئها، هل هناك فضل للخطأ ليكون أشهى؟

اليوم، سأشكر أخطائي العلمية التي دفعتني للاستزادة من المعرفة، فأقبلت على كل فن وعلم، وحفظت كثيرا من الأشياء التي أوصلتني إلى أخطاء جديدة، لتدفعني أيضاً وبلا كلل أو ملل إلى مواصلة البحث عن صوابية المعرفة، ولكنني في كل مرة تضرب رأسي أخطاء كثيرة!

سأشكر أخطائي العملية تلك التي جعلتني اصطدم بذاتي وقدراتها الحقيقية، فأختبر قدرتي على فعل أشياء كثيرة، فشلت وفشلت قبل أن أتقنت عملا واحدا، ولعلني إلى الآن أشكر أول فشل عملي في حياتي، قبل ما يقارب العشرين عاما، حيث أصبحت معلما، وكنت معلما غير ناجح، نعم كنتُ معلما غير ناجح أخطأت كثيرا وكثيرا جدا حتى تعلمتُ مني كيف أكون!

سأشكر أخطائي الاجتماعية، إذ إنني إلى الآن لا أتقن العادات والتقاليد ولا أعرفها حق المعرفة، ولا أجيد صنع العلاقات الاجتماعية، ولدت وحيدا ونشأت وحيدا، وبقيت وحيدا، ويا ليتني أموت وحيدا، وأبعث وحيدا ليحاسبني الله وحيدا ليس لي عند أحد شرو نقير وليس لأحد عندي مثقال ذرة من حق!!

سأشكر أخطائي الدينية في تأدية الطاعات التي أقصر في أدائها، ولا أحسن أن أكون كما يجب أن أكون، سأشكر تفلتي من كل قيد لأمارس بشريتي كما يحلو لي لأنني أعلم أن للأخطاء الدينية ربا غفورا سيرحم، ويتجاوز عن كل تلك الأخطاء، وإن عظمت، فالله أجلّ وأكرم!

سأشكر كل أخطائي العاطفية منذ تفتح الوعي الوجداني إلى أن وجدت العاطفة مستقرها وقرارها، سأشكر كل امرأة كنت خاطئا في حبها أو اختيارها لتكون لي، سأتذكر الآن كل تلك الفتيات الخاطئات المخطئات، السمراوات والبيضاوات، القصيرات والطويلات، النحيفات والبدينات، المتعلمات والأميّات، سأشكر كل أنثى كونية مرت في حياتي، فمنحتني خطأها ومنحتها خطأي، فظلت الأخطاء عالقة هناك لم تمح لأظل أقول: شكرًا لك أيها الخطأ فلقد تعلمت منك الكثير الكثير.

لقد بتُّ مقتنعا أن الخطأ هو معلمي الأول، فلا تأت أيها الصواب، فلا أريد سوى أخطائي أنا؛ لأتعلم أكثر فأنا ما زلت أراني طفلا يمارس أخطاءه بعيدا عن كل بشر مدّعين الحكمة، فأين أنت أيتها الحكمة، الضالة المنشودة، إن لم يصنعك الخطأ فلن تكوني. فشكرا لك أيها الخطأ فاكبر واحضُر؛ لنكون فيك أفضل وأحسن وأكرم بشرا!!