أسطورة محمد مرسي

شريف عبد الغني

يا مرسي.. من أنت.. ما سرك.. ما سحرك؟

هل ما يحدث لك منذ عرفناك تخطيط بشري من عقل خارق.. أم أنه أقدار وتدابير السماء؟

كلما تكاثر الأوغاد عليك، ومهما دبر الماكرون لك تخرج منتصراً بوجهك البشوش، وابتسامة المؤمن الذي يراعي الله في كل تصرفاته.

لم يكن يتخيل أحد أن يكون ذلك الطفل الريفي البسيط المهذب محمد مرسي عيسى العياط، حديث الدنيا وشغلها الشاغل.. هل خطط الرجل للتغلب على البيئة البسيطة التي نشأ فيها، والوصول لأعلى المراتب.. كيف انتقل ابن قرية «العدوة» الفقيرة بمحافظة الشرقية إلى العالم الرحب, حيث الولايات المتحدة بكل ما فيها من علوم وفنون وجنون ودولارات وجنرالات وصناديق انتخابات. ثم كيف بعد حصوله على الدكتوراه في الهندسة من أكبر الجامعات الأميركية، والعمل بالتدريس للطلبة الأميركيين، والحياة في بلد متحضر يحترم قيمة الإنسان، أن يعود إلى مصر.. كيف ترك جامعة «كاليفورنيا- نورت ردج» ودخل جامعة الزقازيق؟

ذات مرة كنت أجلس مع زملاء وزميلات بينهم بعض الكبار, يصنفون أنفسهم ضمن نخبتنا (خيبتنا), كالعادة كانوا يرددون في بلاهة القاذورات التي تخرج من ألسنة إعلام لميس وزوجها ومن هم على الشاكلة عن الدكتور مرسي, ويتساءلون: كيف لهذا «الفلاح» أن يحكمنا؟!

أزعم أنني أفحمتهم. قلت: هل نحتّم في الصخر أكثر منه لتحولوا أنفسكم من ريفيين بسطاء إلى شخصيات لها هدف وقيمة في الحياة, هل تحولتم من مواطنين عاديين إلى أكاديميين حاصلين على الدكتوراه من كبرى جامعات العالم, هل صنعتم لذواتكم مكانة مثله ووصلتم إلى منصب رئيس أكبر دولة في الشرق الأوسط, هل رفضتم كما رفض إغراء حياة الرفاهية في الغرب والدخل المرتفع والشوارع النظيفة والدولة المتقدمة وعدتم إلى بلدكم لتخدموا أهلها وناسها وتعيشوا في مستنقع فساد سياسي واقتصادي صنعه رئيس حكَمَ مصر في غفلة من الزمن 30 سنة, هل دفعتم مثلما دفع ثمن مواقفه سجناً واعتقالاً وتعذيباً وتشريداً, هل خضتم الانتخابات الرئاسية قبل إغلاق باب الترشح بأسبوع ثم اعتليتم مقدمة السباق في أول جولة, وحسمتموها في الثانية رغم الحملة الإعلامية الشرسة التي دعمت الجنرال شفيق المدعوم من دول خارجية دفعت له دم قلب شعوبها, هل خطبتم مثله بعد إعلان النتيجة رسمياً في حشود هائلة في ميدان التحرير بكل هذه الثقة بالنفس وأن تستشيروا الجموع في مشهد مهيب, هل أنتم ماضون معي لانتزاع سلطات رئيس الجمهورية المنتخب كاملة؟ هل نفذتم بعد أسابيع ما عاهدتم عليه الجماهير وأقلتم المشير طنطاوي والفريق عنان؟

تابعت: هل ورثتم كما ورث تركة ثقيلة من حكم ورئيس نشر ثقافة الفساد بين عموم الناس, هل تتمتعون بصبره وجلده لمواجهة مؤامرات خارجية تنفذها عناصر داخلية لعرقلة خطواته من أول يوم وطأت فيه قدماه قصر الرئاسة, هل كنتم مثله في قصر «الاتحادية» وخرجتم لتجدوا حشوداً من البلطجية المؤجرين تعتدي على سياراتكم, هل تبدؤون يومكم من الفجر مثلما يبدأ, وتقضون اليوم كله في محاولة تحسين أوضاع البلاد والخروج بها من النفق المظلم لاستعادة مكانتها الإقليمية والدولية, هل أوقفتم مثله العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة وأعدتم للقاهرة مكانتها كجهة مقبولة من كل الفلسطينيين وليس مجرد طرف منفذ لأوامر الأميركيين والإسرائيليين ومشارك في حصار القطاع المضطهد, هل فتحتم لمصر أبواب تعاون حقيقية مع القوى الناهضة في الصين والبرازيل وتركيا والهند, هل أنتم في مستوى ثقافته وتدينه وحفظه لكتاب الله وطهارة يده, هل تملكون مثله قوة مواجهة شهوات الحكم, ورفضتم الإقامة في القصر الرئاسي الفخم واتخذتموه فقط مقر عمل لتعودوا في آخر اليوم إلى «شقة إيجار».

بعد كلامي معظمهم سكت وبهت, هم يعرفون الحقيقة, لكنها المصالح القذرة التي تحيل الرجل إلى كائن بلا كرامة ولا مبدأ، والمرأة إلى حيّة تلتهم مَنْ أمامها.

لقد ظن العسكر بانقلابهم الدموي، واختطافهم مرسي أن الموضوع انتهى.. لا أدري من هو مستشارهم المعتق في الجهل الذي أشار عليهم بهذه الشورى, وأقنعهم أن الشعب يريد الاستقرار تحت أحذية الجنرال, كنت أشفق في البداية على الرجل الذي أعطيته صوتي عن قناعة تامة, تذكرت كيف أنه بكى يوم سماع نبأ ترشيح حزب «الحرية والعدالة» له لخوض الانتخابات الرئاسية. هل يكون مصير إنسان يبكي خشية لله من ثقل المسؤولية المقدم عليها هو الاختطاف والسجن يا ظلمة, يا سفاحون, يا قاتلي المصلين؟

السماء أنصفت محمد مرسي سريعاً, الجماهير تخرج رافعة صوره, حشود مليونية في مختلف أنحاء مصر تطلب بعودته رمزاً للشرعية, مظاهرات من أقصى المعمورة؛ حيث ماليزيا إلى غربها في أوروبا وأميركا تندد باختطافه واختطاف الديمقراطية ووطن بكامله.

معارضوه المدنيون الذين «تعسكروا» ولحسوا «البيادة» وقعوا في بعضهم, «6 أبريل» تحقد على «تمرد» التي تجلس على حِجر الانقلابيين, حملات هجوم شرسة على محمد البرادعي لحرق ما تبقى له من رصيد. يتهمونه -وهو نائب رئيس الجمهورية- بالعمالة لأميركا, الزعيم حمدين صباحي المنتشي بالانقلاب صحا من نومه فجأة فلم يجد قميص عبدالناصر الذي يلتحف به ويأكل من ورائه الشهد, لقد ألبسوا القميص لكبير الجنرالات الذي قدموه كوكتيلا من ناصر والسادات, رغم ما بينهما من تناقضات, «تيجي إزاي؟! همَّا أدرى».

الخاطفون وضعوا أنفسهم في ورطة, الجنرالات تحولوا من سجانين إلى سكرتارية لمرسي ينظمون مواعيد مقابلاته مع كاترين آشتون وألفا عمر كوناري ولجنة الحكماء بالاتحاد الإفريقي، وينظرون في الطلبات الكثيرة لمقابلته من شخصيات عالمية ترى أن مفتاح الحل بجعبته بصفته الرئيس الشرعي لمصر.. الرئيس بالصناديق والقانون والدستور والجماهير.

ماذا هم فاعلون به, لو نحروه سيصبح أيقونة الثورة, لو استمروا في اعتقاله لتحول إلى ملهم الثورة, لو أخرجوه لقاد الثورة, لو نقلوه لسجن معلوم ستذهب الملايين الطاهرة التي تزين سماء «رابعة العدوية» وباقي الميادين إلى هناك ولن ترحل من دونه.

 رئيسنا وقائدنا ووالدنا وحبيبنا محمد مرسي: مصر في انتظارك.. فلا تتأخر عليها.

العرب القطرية.