الإعلام العربي شريك كامل بالانقلابات

رشيد أخريبيش

لا شك أن الانقلاب الناعم على الشرعية في مصر والذي أطاح بالرئيس محمد مرسي، أعاد من جديد طرح مسألة الإعلام الهادف في أوطاننا العربية والإسلامية بشكل كبير، خاصة بعد أن تآمر هذا الاعلام على الشرعية وحاول تزوير الحقائق عبر الانحياز إلى طرف دون الآخر، حيث لم يكتف هذا الإعلام بنقل الصورة والأحداث كما يريد، بل تجاوز ذلك إلى أن أصبح شريكا في هذا الانقلاب المدبر .

الإعلام العربي صاحب الرسالة الهادفة كما يحلو له تصوير نفسه، قد ظهر هذه المرة على حقيقته، وفضح نفسه بنفسه، بعد أن انحاز بشكل كامل إلى الانقلابيين الجدد وأعلنها حربا ضروسا على الرئيس الشرعي لمصر الذي جاء عبر انتخابات شهد العالم على نزاهتها .

دول الخليج التي دعمت الانقلاب قبل وبعد، لم تتوقف إلى هذا الحد، بل أطلقت العنان لقنواتها الإعلامية للهجوم على الإخوان، وتصويرهم على أنهم خطر على مصر وأمنها بل على المنطقة بأكملها، ليكتمل مسلسل التحريض على وأد الشرعية، وخير مثال على ذلك التعاطي غير المهني مع الأحداث لاغلب القنوات الإخبارية الخليجية صاحبة القاع والباع في إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين، حيث استخدمت هي الأخرى للتدخل في الشأن الداخلي المصري بشكل سافر، وأبانت عن انحيازها للانقلابيين إرضاء للغرب ولبعض قيادات الخليج الذين تنفسوا الصعداء بعد هذا الانقلاب، بعد أن كانوا يخشون من أن تنتقل تجربة مصر إليهم، بعد أن فهمت الشعوب لعبة هؤلاء، لذلك سارعوا إلى إجهاض هذه التجربة الفتية في مهدها عبر الآلة الإعلامية المغرضة التي وضعت لإبعاد خطر الديمقراطية الذي يهددها .

الديكتاتوريات في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير سخرت إعلامها الرسمي لإضفاء الشرعية على حكم العسكر، والإشادة بحكومة الدخلاء التي يتزعمها عدلي منصور والسيد البرادعي سفير أمريكا لتنفيذ مشروعها المتمثل في تقسيم مصر، وحاولت أن تجد لذلك مبررات وذرائع لشرعنة الانقلاب، وفي المقابل وفي سياق استكمال أطوار هذه المسرحية تجاهل الإعلام الموجه أصوات الملايين من المصريين ممن يهتفون بعودة الشرعية والذين يعتصمون بميدان رابعة العدوية وفي أنحاء مصر يطالبون بسقوط حكم العسكر، حيث لجأت هذه القنوات الاعدامية إلى طمس كل الأصوات التي من شأنها أن تزيد من حجم التعاطف مع الرئيس الشرعي محمد مرسي .

الإعلام المصري الذي اعتاد أن يطبل للفرعون المصري الأسبق والذي استطاع أن يجعل منه الإله الأكبر الذي لا معبود سواه على مر عقود من الزمن، وجد ضالته هذه المرة بعد أن خرج من العبودية بعد ثورة 25 من يناير، وشرع في الهجوم على الرئيس وعلى جماعة الإخوان، حيث لم يسلم أحد من شتائمه متخذا في ذلك حرية التعبير كذريعة للانتقام من الإسلاميين الذين ظهروا على أنهم أشد حرصا على الالتزام بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع على عكس غيرهم من العلمانيين الذين باعوا قضايا الأوطان بأثمان بخسة وأدخلوها في مستنقعات الفتنة التي لا تنتهي .

قنوات الإعلام المغربية هي الأخرى لم تستطع أن تدفع بنفسها في اتجاه التزام الحياد ونقل الأحداث كما هي ودخلت في هذه المؤامرة المشؤومة، من خلال نشراتها الاخبارية التي صورت ساحة ميدان رابعة العدوية وهي خاوية على عروشها في إطار الحملة المدبرة التي يشنها الغرب ودول الخليج على شعب مصر، ففي الوقت الذي كان ميدان رابعة العدوية يعج بالملايين من المطالبين بعودة الشرعية، نجد قناتنا المغربية تتحدث عن بعض الآلاف فقط، بالإضافة إلى أنها أعطت حيزا هاما في نشراتها الإخبارية للرئيس الانقلابي الجديد في إطار إجراءاته المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة، في محاولة منها إلى جعل الشعب يعتقد أن العملية السياسية في مصر تستعيد عافيتها من جديد دون التركيز على الرئيس الشرعي ولا عن أتباعه .

الإعدام العربي بدا واضحا بعد الانقلاب على الشرعية أنه بعيد كل البعد عن المهنية وعن الإعلام الهادف الذي يسعى إلى تنوير الرأي العام والكشف عن الحقيقة كيفما كانت الظروف، وذلك ظاهر بجلاء بعد المجزرة التي ارتكبها الجيش الانقلابي ضد أبناء الشعب، حيث حاول هذا الاعلام تغطية الشمس بالغربال واتهام جهات أخرى إرهابية كما يسميها بأنها المسؤولة على تلك المجزرة، بالرغم من أن الرصاص كان يطلق على المتظاهرين على مرأى ومسمع العالم، لتكتمل أركان المؤامرة التي أريد لها أن تكون دعما للديكتاتوريات وتحقيق مزيد من الاستمرارية واستعباد الشعوب .

اليوم وبكل أسف نجد أنفسنا وسط دوامة إعلام منافق، يكذب حتى في أحول الطقس، إعلام لا يملك ولو قليلا من الاستقلالية، إعلام يطبل للحاكم بل ويسبح بحمده ويعمل كل ما في وسعه من أجل أن يبقى في السلطة إلى أجل غير مسمى، إعلام في خدمة الأنظمة الديكتاتورية، إعلام يسعى جاهدا إلى الحديث بلسان الغرب أينما حل وارتحل.

مئات القنوات الفضائية العربية رسمية كانت أو خاصة كلها في خدمة الأنظمة الديكتاتورية بعيدة كل البعد عن الثورة الإعلامية والسياسية والثقافية القادرة على مواكبة التطورات والقادرة على صنع الحدث، بل همها الوحيد هو الهجوم على البلدان والتدخل في شؤونها الداخلية والعمل على إسقاط الحكومات فيها، دون أن تناقش الديمقراطية في بلدانها وما أكثر هذه الفضائيات وما أجملها في تزيين صورة الديكتاتور اللعين .