العراق... تحالف الشباب وشراكة المستقبل

عدنان الصالحي

مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

توصفت الدورة التشريعية الحالية في العراق بانها اكثر الدورات تأزما في الوضع السياسي العراقي لما بعد 2003، بحيث لا تكاد تخرج البلاد من ازمة حتى تدخل في اخرى، فمن تشكيل الحكومة الحالية عام 2010 التي انتهت باتفاق اربيل الموقع بين القوى الفائزة بتشكيل حكومة (شراكة) بين الكتل السياسية، والتي لم يدم الهدوء طويلا بعدها حتى بدأت سجالات تشكيل (مجلس السياسات الاستراتيجي) وآلياته وقانونيته من عدمها وعقد المؤتمر او اللقاء الوطني الذي كان من المفترض عقده في بداية ال2011، لتأتي قضية نائب رئيس الجمهورية (طارق الهاشمي) واتهامه بالتورط بقضايا في عمليات ارهابية لتوجه الضربة الاولى للوضع المتوتر اصلا بين الفرقاء السياسيون وخصوصا بين (دولة القانون والقائمة العراقية).

ثم تطور الامور واخذت شكلا آخر عندما تم عقد اجتماع اربيل للمطالبة بتنفيذ الاتفاقيات السابقة ليعطي مهلة محددة للتحالف الوطني، ليصار بعدها الى الشروع بسحب الثقة عن رئيس الحكومة، وفعلا وبعد تجاهل رئيس الحكومة لهذا التحذير صار الى جمع التواقيع وحشد مجموعة من الكتل انصارها داخل قبة البرلمان في محاولة لسحب الثقة عن الحكومة التي اصطدمت على ما يبدو بجدار الرفضين(الدولي- والاقليمي) وليسدل الستار على صفحة من الهدوء النسبي لتتحول القضية الى صراع سياسي جديد اتخذ مسارا تمثل في تشكيل جبهة معارضة انتظمت فيها (القائمة العراقية- التحالف الكردستاني- التيار الصدري (كتلة الاحرار)- بعض الاعضاء المستقلين)، ليشكل هذا التحالف تفاهمات مبنية على موقف متمثل في الحد من سلوكيات رئيس الحكومة التفردية على حد (تعبيرهم).

لتأتي بعد ذلك ازمة انشاء (قوات دجلة) ويصل الوضع فيها الى حد من التوتر الى درجة الصدام العسكري بين القوات المركزية وقوات الاقليم، ثم تتراجع الازمة تدريجيا وتنتقل الى ثوب آخر تمثل هذه المرة باعتقال حماية وزير المالية السيد (رافع العيساوي) بتهم تتعلق بالقيام بأعمال مسلحة، وتشكل هذه الخطوة مفتاح المعارضة السنية المتمثلة بالتظاهرات والاعتصامات المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر.

الا ان الامور على ما يبدو هدأت نوعا ما وتراجعت تدريجيا بعد عقد قمة (الحكيم الرمزية) والتي نجحت في جمع رئيس السلطة التشريعية والتنفيذية، لتليها عقد جلسة مجلس الوزراء في اربيل ولقاء رئيس الحكومة ورئيس الاقليم وزيارة الاخير الى بغداد.

السؤال المطروح هنا وقد شارفت الدورة التشريعية على نهايتها هل ستؤول الامور الى الهدوء مستقبلا ام العكس، خصوصا بعد التصريحات الاخيرة لرئيس الحكومة والتي شن فيها هجوما عنيفا على اغلب الكتل السياسية وخصوصا حلفاؤه القدماء؟

وللإجابة على هذا التساؤل يجب النظر في اسباب التأزم السياسي في العراق لما بعد التغيير.

عناصر التوتر

اولا: عناصر داخلية: وهي ناتجة من الصراع على السلطة بين الفرقاء السياسيين، ومحاولة كل طرف فرض نفسه ميدانيا على الاخر، او سحب البساط من تحته تهيئة لتضيق الخناق عليه مستقبليا وتراجعه انتخابيا، وهذا يعني عدم فهم لمنظومة الحكم العالمي الحالية والصورة الجديدة المبنية على الشراكة الدولية، فلا يمكن فهم معنى (حكومة شراكة وطنية) تشترك فيها اغلب الكتل السياسية ووجود معارضة برلمانية هي نفسها من تشترك في الحكومة وهو فهم قاصر للحياة السياسية او اسلوب للكسب السياسي الحزبي.

ثانيا: خارجية:

أ‌- (اقليمية): وهي امتداد لمشروع اقليمي يجعل العراق جزء من حالة الصراع العامة التي تعيشها المنطقة والتي اخذت الفتنة الطائفية فيها رواجا كبيرا ولاسيما بوجود (الاسلام السياسي المتشدد)، والخطابات التحريضية الصادرة من الرموز المتشددة، حيث ولدت جوا اجتماعيا مشحونا وعلاقات متيبسة.

ب‌- دولية: فالعراق جزء من منظومة الدول المنتجة للطاقة وهو يمتلك من الاحتياط النفطي ما يجعله بديلا اقتصاديا مهما للكثير من دول المنطقة، وهذا بدوره يجعل الصراع حوله واستقطابه سياسيا هدفا كبيرا لدول عالمية مهمة، وقد يكون جزء من هذا الصراع هو زعزعته امنيا وسياسيا لمحاولة اضعافه وجعله تابعا لتلك الدول.

تحالف الشباب

يصف اغلب المحللين السياسيين تحالف كتلتي (المواطن- الاحرار) بتحالف الشباب الذي استطاع ان يخلق توازن مهم في انتخابات المحافظات التي جرت في 20 ابريل الماضي وكانت من اهم نتائجه حصد مناصب مهمة في الحكومات المحلية في ثمان محافظات جعلت ائتلاف رئيس الحكومة يفقد السيطرة السياسية فيها، وهو مشهد مرشح للتكرار في الانتخابات البرلمانية المقبلة خصوصا بوجود تفاهمات واضحة بين الكتلتين في انشاء طريقة جديدة للتعامل مع الاوضاع يكون فيها التشاور والمشاركة الفعلية والانفتاح على باقي الكتل السياسية طريقا للخروج من دوامة التخبط السياسي.

ومن جانب اخر فعلى ما يبدو فان علاقات تلكما الكتلتين او (تحالف الشباب) تشهد وضعا جيدا مع باقي الكتل السياسية تؤهله للحصول على ثقة تلك الكتل للتصدي لرئاسة الدورة المقبلة التشريعية وتشكيل حكومة شراكة فعلية.

التحالف المشار اليه يبدو انه يعمل على الحصول على الدعم الاقليمي والدولي وعلى مايبدو من المؤشرات الحالية بانه سيحصل عليهما، خصوصا بتغيير خارطة التحالفات الدولية واشتراكها في عدة نقاط منها التوجه نحو التهدئة في بعض المناطق والتي سيكون العراق جزء منها، لتأمين مصادر الطاقة المصدرة لاحتمالية حدوث تغييرات جوهرية في تركيبة الحكم في منطقة الخليج والتي ستهدد الطاقة المصدرة الى الاسواق العالمية، وهو ما يتطلب هدوء واستقرار أمنى وسياسي في العراق.

ومما تقدم فيمكن القول بان المرحلة المقبلة للدورة التشريعية في العراق ستكون أكثر هدوء وانتاجا لحكومة متوافقة وقد يكون الاتفاق على رئيس حكومة قادمة أكثر مرونة وبوقت قياسي وستكون الشراكة التي طالما كثر الحديث عنها سابقا واقعا حقيقا في مستقبل البلد، وجميع تلك المؤشرات تتجه نحو انتاج واقع سياسي معتدل وعبور مرحلة (المراهقة السياسية) واستبعاد جميع اشكال التطرف السياسي والديني ليكون العراق دولة ناجحة وجزء فاعلا من منظومة دولية جديدة.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث