اثبت حذيفة هذا الزمان

عزة مختار

[email protected]

" إذ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدا  " ً  الأحزاب 11:10

المشهد الأول :

 مجموعة من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم يذهبون معا لقضاء حاجتهم في حراسة بعضهم البعض خوفا من الكفار المتربصين حول الخندق يحاصرونه من كل جانب ، إلا جانب واحد يحرسه اليهود اللذين لا عهد لهم ولا ذمة ، البرد شديد ، والجوع شديد ، والخوف اشد ، المرجفين في المدينة يطلقون الشائعات ، محمد وأصحابه أتوا إلي المدينة واتوا بالعدو معهم ، كنا في أمان ، الآن نخشي أن يتخطفنا الناس من بيوتنا ، ضاع الأمن ، غدا سوف يجتاحون المدينة ويقتلون كل من فيها بسبب محمد ومن معه .

المشهد الثاني : رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أصحابه ، يحيطهم الحب والأخوة الصادقة واقتسام الأمان والدفء واللقيمات الصغيرة ، يتهامسون فيما بينهم ، فالليل البهيم تسري فيه الأصوات فيجلب معه الخوف من عدو يترقب ، عدو قريب عجزت الفئة المؤمنة بكل ما أوتيت أن تتصدي له ، يطلب منهم الحبيب أمرا ، يا للحيرة التي تجتاحهم والخوف الذي اعتراهم وهم صحابة رسول الله المقربين ، من تربوا في بيت الأرقم وربوع مكة والمدينة ، من شدة الهول ومن شدة البأس ، ربما دار في خواطرهم تساؤلات عن طلب رسول الله ، هل هو أمر ؟ أم مجرد طلب ؟ ثم وحتي عن كان طلبا ، فمن يجرؤ علي رد طلب من رسول الله ، هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم جميعا ، الذين كانوا يسارعون في مرضاته حتى يقول احد سادات مكة : لم أري حب احد لأحد مثلما رأيت حب أصحاب محمدا لمحمد ، خير من أشرقت عليهم الشمس بعد الأنبياء ، " من يأتيني بخبر القوم ؟ " .. الخطب شديد ، والبرد شديد ، والخوف شديد ، لا احد يرد ، فيكرر الرسول الكريم عليهم طلبه مع شيء الحافز الكبير " من يأتيني بخبر القوم وأضمن له الجنة ؟ " الله يا رسول الله ، الجنة ؟ وماذا بعدها من مطلب ؟ أليس مطلبنا الشهادة ؟ أليست غايتنا الجنة ؟ أليس خروجنا وتحملنا وسنواتنا كلها من اجل الجنة ؟ .. لم يخرج احد من الصحابة / لم يرد أحد ، الأمر ما زال حتى هذه اللحظة اختيارا ، عرض من الحبيب لمن يتطوع / تزداد المكافأة " من يأتيني بخبر القوم وأضمن له الجنة وأضمن له أن  يعود ؟ "  لم يجب احد ، فيقول النبي القائد صلي الله عليه وسلم " قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم ولا تذعرهم علي " . الآن قد صار الأمر جد ، وصار أمرا واجب النفاذ ، فليس لولي المر في طاعة الله عصيان ، يخرج حذيفة ملبيا أمر النبي ، وهنا تظهر بركة الطاعة وبركة صدق الإيمان والعقيدة ، الصحابة مجتمعين يلفهم البرد ، وحين يطيع الأمر تتحول الأسباب الإلهية كلها بكلمة كن فيكون ، يرويها حذيفة بنفسه حين يقول "  فمضيت كأنما أمشي في حمام فإذا أبو سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهمًا في كبد القوس وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذعرهم عليَّ ولو رميته لأصبته فرجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابني البرد حين رجعت وقررت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائمًا حتى الصبح فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا نومان "

لم يحدث فيهم حذيفة أمرا ، لم يطلق سهمه وقد كان قادرا أن يقتل سيدهم فينهار معسكرهم ، امتثلا لأمر النبي القائد ، لتكون كلمة الله كذلك ، أسباب الله ، جنود الله ، أوامر الله ، إرادة الله ، يجند الله الريح فيسلطها عليهم ، ريح ربانية بأوامر ربانية  ليحملوا متاعهم ويرحلوا مهزومين بلا قتال بعد أن تم الاختبار الكامل للفئة المؤمنة والناجح في الثبات والطاعة

" ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا

المشهد الثاني :

غادر السيارة أيها إل ........ هل في هذه السيارة منتقبات ؟ انزلن منها أيتها ................. لا مكان لكم بيننا ، لا مكان للطهر والعفاف والدين ، نهايتكم اليوم علي أيدنا ، نهاية فكرتكم ودعوتكم ، احرقوا مقراتهم ، اقتلوا شبابهم ، تعدوا علي حرماتهم

ثم ملايين من اطهر الشباب ، وأطهر النساء واطهر الرجال يجتمعون في ميدان رابعة لهم نداء واحد علي قلب رجل واحد أن نعم للشرعية والشريعة ، ملايين يجتمعون لحظة الأذان ملبين نداء الله داعين أن يفرج الكرب عن بلادنا وأن يرحمنا مما يفعل بها السفهاء ، هذا غير ملايين غيرهم  منعتهم الموانع . شباب  طاهر يغض طرفه يقدس الحرمات ، ويقدرها ويفديها بدمه .

المشهد الثالث : في التحرير / مجموعة من ...( عفوا فلم أري بهم علامات البشرية حتي أذكرها )...... يتحرشون بكل فتاة تقترب من الميدان ، حفلات رقص غريبة ، سباب وشتم يندي له جبين الرجال ولا يستطيع بشر طبيعي أن يتحمله ، خمور ، مخدرات ، أموال تنفق ببذخ في سبيل لا شيء سوي إحداث حالة من الفوضى في البلاد ، عتاة المجرمين ، أسلحة بكل أنواعها ، سكارى يتراقصون علي أشلاء الوطن مهددين متواعدين كل من يرفع للحق راية .  

تلك هي المشاهد أيها السادة الآن ، حرب منذ الأزل وإلي قيام الساعة بين الحق والباطل ، تجمع كل أهل الفساد في سلة واحدة ، وتجمع كل أهل الحق في جبهة واحدة لتكون كلمة الله هي الباقية والفاصلة دوما ....

واليوم يخشي البعض علي الإسلام ، ويخشون علي جماعة الإخوان المسلمين إثر حرق مقراتهم أو استشهاد شبابهم 

 ويفرح البعض الآخر ظنا منه أنها بداية نصر للمهزومين الجبناء ، يحزن البعض علي ارتقاء الشهداء واحدا تلو الأخر من أفراد الجماعة وينادي بالتراجع والتخاذل في مواجهة الغوغاء واللصوص ، وأنصح هؤلاء أن يقرؤوا تاريخنا ويعلموا من نحن ، من هم الإخوان المسلمين اللذين بايعوا الله ورسوله علي الجهاد والموت في سبيله ، الإخوان الذين شرف التاريخ بوجودهم ثابتين علي الدرب لم تهزهم ريح أي تغيير ، طغاة خلف طغاة يسومونهم المر في سبيل طيهم تحت أجنحة الطاعة والامتثال للظالمين ترغيبا وترهيبا ، فما وهنوا وما استكانوا يوما

 فليحترق ألف مقر ، ليرتقي ألف شهيد ، الدعوة باقية طالما بقي الزمن ، إن كنا أصحاب دنيا ما كنا بايعنا علي الموت في سبيل الله أسمي أمانينا ، ولو كنا طلاب منصب وسلطان ما كنا أصحاب السجون والمعتقلات ، نحن من عاهدنا الله علي الجهاد والموت ، وتلك لحظات الثبات واثبات الصدق مع الله ، لقد عمل الإخوان بلا مقرا ثمانين عاما ولم تسقط دعوتهم ، عملوا من داخل السجون وفي الشوارع ، وفي الجامعات وبين البسطاء اللذين ينتمون لهم ، دعوتنا باقية بعز عزيز أو بذلك ذليل ،  وغدا سوف يندم أناس علي واقعهم المتخاذل ، ويفرح المؤمنون بالنصر المبين ، غدا سوف نحتفل بالنصر مع حذيفة هذا الزمان الذي تحرك ، وترك خلفه بيته وزوجه وولده ، بلا عائل وبلا معين ، سوف يأتينا النصر بنساء كالرجال في الثبات والعطاء ، غدا سوف يأتينا النصر برجال قوامين صوامين أطهار لم يثنيهم شدة الحر ولا مشقة السفر ولا احتمال الموت المحلق فوق الرؤوس عن الرباط في سبيل الله . اثبت حذيفة ، اثبتي أختي الكريمة يا من ثبتك الله ردحا طويلا . فإنما النصر صبر ساعة

  اللهم اكتب لنا الثبات والصبر والنصر المؤزر الذي وعدت.