هيكل.. بين العلمانية والثورة المضادة

علاء الدين العرابي

هيكل.. بين العلمانية والثورة المضادة

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

 سارعت قناة محمد الأمين سي بي سي فور خطاب الرئيس بشراء كلمات من محمد حسنين هيكل في حوار مع المذيعة التي يعبر لسانها وتعبيرات وجهها عن مدى الكره على التيار الإسلامي ، وفي إعلام الثورة المضادة كل شيء يباع ويشترى هذه الأيام

 وكعادة هيكل جاء جانب كبير من حواره لتمجيد عبد الناصر وزمانه ، وكأن الزمن توقف عند هيكل كما توقف عند الناصريون أمثاله ، فلم تعد مصر في نظرهم قادرة على ولادة مثل عبد الناصر ، وكأن تاريخ مصر قد توقف عند هذه الحقبة

 ولن تستطيع أن تقنع هؤلاء بأن نكسة 67 كفيلة بالحكم على الرجل ، خصوصا وأن ( الأعمال بالخواتيم ) كما هو في سنة الله في خلقه ، ولكن الناصريون من أمثال هيكل لا ينظرون إلى تلك النهاية المأساوية في حقبة حكم عبد الناصر ، ويريدون أن يقلبوا هذه السنة الكونية في حكم مرسي ويجعلوها ( الأعمال بالبدايات ) 00

ورغم أن الأخير لم يستقر له الحكم حتى الآن ، فالثورة المضادة لم تهدأ يوما وتتركه يعمل ، إلا أن الناصريون والعلمانيون والشيوعيون في مصر ، وكذلك النظام العالمي الجديد القائم على العلمانية ، لم يفيقوا بعد من صدمة وصول رئيس إسلامي لحكم مصر تلك الدولة المحورية الكبيرة

طبعا كان حكم عبد الناصر حكما ديكتاتوريا عسكريا لم يسمع يوما عن تجارب الديمقراطية التي اهتدت لها شعوب العالم بعد أزمنة من القهر والظلم ، ورغم أن العلمانيون في مصر رفعوا شعار الديمقراطية ورفعوا شعار آلية صناديق الانتخابات ، إلا أنهم كفروا بها عندما جاءت بالإسلاميين في أول مجلس شعب منتخب انتخاب حقيقي بعد الثورة ، وكذلك في أول انتخابات رئاسية

 يقول هيكل عن صندوق الانتخاب أن الغرب لم يصل إلى صندوق الانتخاب إلا بعد أن أبعدو الدين عن السياسة ، ثم يقول : أنا ضد أن يستخدم الرئيس آيات قرآنية في خطابه ، فالشرط لدى هيكل بالقبول بصندوق الانتخابات هو تخلى مصر عن دينها أولا ، وتحريم ذكر آيات القرآن في أي خطاب سياسي ، وبقي له أن يضع شرطا آخر وهو كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية ، وتحريم الحجاب ، كما فعل أتاتورك في تركيا عندما أصدر حكمه بتغريب تركيا عن دينها

ونقول لهيكل كيف نخرج الدين عن السياسة ؟ والقرآن يقول لنا " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ونقول لهيكل أين نضع شريعة الله التي تحكم حياة المسلمين ، وقد اتسعت هذه الشريعة لتشمل السياسة والاقتصاد والأحوال الشخصية وغيرها ، وهل الحكم يعني أكثر من سياسة الدنيا بالدين كما يقول الماوردي " الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا "

 المشكلة لدى العلمانيون من أمثال هيكل ، ومن أمثال كثير من النخب الإعلامية والسياسية التي تتصدر المشهد الإعلامي في مصر المشكلة هي أنهم فهموا عن الغرب أكثر ما فهموا عن الإسلام ، وفي أنهم اطلعوا على تجربة الغرب ولم يستسيغوا أنه يمكن استيعاب تجربة الديمقراطية في الإسلام ؛ وهي لا تعدوا أن تكون آلية للوصول إلى الحكم ، خصوصا وأنها شبيهة بتجربة البيعة التي ابتكرتها التجربة الإسلامية في فترة الخلافة الراشدة لتكون آلية لانتخاب الحاكم

 ولكن أمثال هيكل يكفرون بالديمقراطية حين تأتي بالإسلاميين ويحاولون أن يحولوا الديمقراطية من آلية للاختيار إلى فلسفة وثقافة حين يقولون : أن الديمقراطية ليست صندوق انتخاب فقط ، ومن قال لهؤلاء أن الشعب المصري المتدين يقبل بثقافة الديمقراطية التي تبيح زواج المثلين أو الشذوذ الجنسي

 ولو اتبع هؤلاء سنة أساتذتهم الغربيين لعلموا أن إرادة الشعوب واجبة الاحترام ، ولابد أن يخضع لها الجميع

لا يمكننا أن نسمع صوت هيكل بعيدا عن الأصوات التي تعالت مؤخرا للهجوم على الإسلام والتي تصرخ أقلها تطرفا : لن يكون هناك لحية ولا حجاب بعد 30 يونيو ، وتصرخ أكثرها تطرفا : أن الفاشية الإسلامية بدأت منذ فتح مكة ، غير أن هيكل يجيد تنميق عباراته ، أما تلك الأصوات فلا تجيد ذلك

إذن لا نبالغ إذا قلنا : أن تلك الهجمة الشرسة ليست على رئيس مصر ولكنها على الإسلام ، وقد أثبتت الأحداث أن العلمانيون يحاربون مع أنصار الثورة المضادة لإسقاط الإسلاميين عن الحكم ، ومحاولة إبعاد الإسلام عن الحياة ، ولا ضير إذا سقطت مصر في سبيل ذلك.