السياسة عندهم وعندنا

عثمان أيت مهدي

إنه شعب إن غضب يوما لا يترك لبقية العالم سوى التضرع لله ينجيهم ممّا قد ينجرّ عن هذا الغضب الجارف للحياة بهذه الأرض. شعب وطّد أركانه على الحرية والمبادرة والصرامة، لا مجال للعواطف ولا للضعف، إنّها قيم يتنفسها ولا يحيا بدونها.

حزبان كبيران وحيدان يتصارعان على تسيير شؤونه العامة من منظور فلسفي براغماتي: أيّها المواطن أنت حر، أنت قويّ بل أنت عظيم، أنت سيّد على العالم بل أنت قائد له.

تصادف أن رشّح أحد الحزبين للانتخابات الرئاسية شيخا في السبعينات من عمره، قويّ البنية، طويل القامة، كان ضابطا في فرقة المشاة القتالية بإيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فقد هناك الاستخدام الكلي ليده اليمنى بسبب الإصابات. في إحدى حملاته الانتخابية بإحدى الولايات لم يتمكن من التحكم في توازنه فسقط من على المنصة التي كان يقف عليها ملقيا خطابه، إلا أنّه وبسرعة الشاب الرياضي وقف على عجل ونفض الغبار على بدلته وواصل خطابه.

لم يترك الحزب الثاني هذه الحادثة تمر عليه مرور الكرام، يجب استغلالها سياسيا لضرب المرشح والحزب الذي وافق بالإجماع على ترشيحه. أيعقل لهذا الشعب العظيم القائد للعالم أن ينتخب رئيسا لا يستطيع أن يقف معتدلا على المنصة لبعض الوقت؟ إنّه شيخ هرم مكانه في دار العجزة أو حراسة أحفاده يداعبهم ويلاعبهم في حديقة مسكن العائلة.

يردّ الحزب الأول على خصومه بقولهم: لا عيب فيمن يسقط، بل العيب فيمن سقط ولم يستطع النهوض. أيّها الشعب العظيم القائد للعالم، لا تنظر لسقوطه لأن الناس جميعا معرضون لذلك، بل انظر لكيفية وقوفه، ألا يشعرك أنّ الشيخ في ريعان شبابه وفي كامل قواه البدنية؟

تذكرت هذه القصة وأنا أتابع حدثا سياسيا كبيرا ببلدي، رئيس يغيب عن منصبه لأكثر من شهر بسبب مرض خفيف وفحوصات طبية روتينية بحسب تلفزيون اليتيمة، يمرّ أسبوع ويليه أسبوع آخر ولا شيء عن الرئيس، ويمرّ أسبوع آخر وتبدأ حرب الإشاعات، قد يكون ميّتا أو مصابا بمرض خطير لا أمل في شفائه، لماذا اختار بلدا مستعمرا؟ ولماذا مستشفى عسكريا؟ أين هي السيادة الوطنية؟ لماذا نملّك عدو الأمس ملف صحّة الرئيس؟ ولماذا هذا الغياب الطويل؟ كثيرة هي الأسئلة التي كانت تطرحها المعارضة من خلال شخصيات مجهولة أو معروفة وأحزاب تعدّ بالعشرات معظمها ليس لها امتداد شعبي عبر صحف تصنع الرأي العام بعد سقوط تلفزيون اليتيمة الذي كان فيما مضى منبر لحشد الجماهير الشعبية للمسيرات العفوية.

وجد الحزب الحاكم نفسه في ورطة، تغييب الرئيس لمدة طويلة قد تسبب انتفاضة الشعب وتمرده على السلطة، يجب فعل أيّ شيء لإسكات خصومهم، لا بدّ من إظهار الرئيس على التلفزيون ليشاهده العدو والصديق، القاصي والداني، فكان للحزب أن رشّح عسكريا ومدنيا لزيارته في مقر إقامته في هذا البلد الصديق العدو.

بعد ثمان وأربعين ساعة من زيارته وبعد ساعتين من الكلام والمحادثة السياسية يطل علينا تلفزيون اليتيمة في أقلّ من دقيقتين صورا له، ويبدأ السجال السياسي بين المؤيدين للرئيس والرافضين لسياسته، الداعين إلى تفعلين مادة من الدستور تنهي مهامه وتدعو إلى انتخابات جديدة.

يرى الحزب الثاني المعارض أنّ صور الرئيس صامتة ومختارة بدقة، جاءت بعد وقت من تصويرها، لا تظهر لنا الرئيس واقفا ولا مستقبلا ولا متكلما، وجهه شاحب ومتعب، حركاته بطيئة جدا، قسمه الشمالي لم يحركه وكأنه مصاب بشلل نصفي، ثمّ لماذا لا يُطَمئن شعبه بكلمات مقتضبة عن صحته وعافيته؟.

يردّ الحزب الأوّل أنّ الرئيس يتعافى، يجلس على كرسي، يتابع باهتمام تحاليل الزائرين له، يناقشهما ويطلب منهما الاهتمام بشؤون الرعية ومراقبة الأسعار مع قدوم شهر الصيام والقيام، وأكثر من هذا وذاك أنّ رئيسنا يحمل بيده اليمنى فنجانا من القهوة تارة وتارة أخرى قطعة من الحلوى سلمت له خصيصا من طرف أحد الزائرين له ليشاهدها العالم ويقتنع بصحة الرئيس. أليس من يرتشف القهوة في صحة جيدة؟ أليس من يجلس على كرسي وينظر يمنة ويسرة في صحة جيدة؟ ماذا يريد هؤلاء الخصوم بعد هذه الصور التي أزالت الشك باليقين؟ وماذا يريد الشعب أكثر من كلّ هذا؟ ألا يستطيع من يرتشف القهوة ويأكل الحلوة ويجلس على الكرسي وينتبه من تسيير البلاد والعباد؟ ماذا تريدون أكثر من هذا أيها الخصوم، أيّها الشعب المسكين الذي حكم عليه بالاستبغال والسذاجة إلى يوم الدين؟ ماذا تريدون.. قولوا لنا بربكم ماذا تريدون؟