كارثة في تقرير الممارسة الصحفية!

بدر محمد بدر

[email protected]

صدر مؤخرا تقرير الممارسة الصحفية، الذي تعده لجنة الممارسة المهنية بالمجلس الأعلى للصحافة، والذي يدرس مدى إلتزام الصحافة المصرية بمعايير ميثاق الشرف الصحفي.

وهالني وآلمني حجم "الخطايا" و"الكوارث" و"الأكاذيب" التي رصدها التقرير وكيف أن الكثير من هذه الصحف، بما فيها الصحف القومية مع الأسف، تعمدت ممارسة الكذب والتضليل ونشر الشائعات وإطلاق الاتهامات بدون دليل، وما يزيد من خطورتها أنها تأتي في مرحلة شديدة الأهمية والحساسية، تحتاج من كل إعلامي وطني وصحفي شريف، أن يتحلى بأعلى درجات الصدق والتجرد والأمانة والموضوعية والمهنية، بعد ثورة 25 يناير الرائعة، التي حررت أقلامنا وإرادتنا.

وفي البداية لابد من تقديم التحية والتقدير للأساتذة الباحثين، الذين قدموا تقريرا مهنيا وعلميا راقيا، يليق بمكانة ومستوى البحث العلمي في مصر بعد الثورة، وعلى رأسهم الدكتور بسيوني حمادة أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بجامعة القاهرة، هذا الفريق الذي إلتزم بأعلى درجات الحياد والموضوعية والأمانة والدقة وهو يحلل الإصدارات الصحفية، في الفترة من 20 يناير إلى 12 من فبراير 2013، والتي شملت 18 صحيفة (8 خاصة و4 قومية و4 حزبية و2 عربية).

التقرير الخطير كشف أن "تضليل الرأي العام والافتقار إلى الدقة" احتل موقع القمة في سلم الانتهاكات الأخلاقية والمهنية بإجمالي 468 انتهاكا، تمثل 61.4% من إجمالي الانتهاكات ويقول معدوه "وبدلا من أن تمارس الصحافة دورها في التنوير والترشيد والمساهمة في صنع قرار المواطن، مارست دورا مغايرا قائما على التضليل، سواء كان هذا التضليل عن قصد وسوء نية، أو نتيجة لغياب المهنية، وهو ما يجعل الرأي العام فريسة لغياب الفهم الصحيح لما يجري من أحداث"!.

ومن بين وسائل التضليل التي رصدها التقرير: استخدام عنوان مضلل لا ينطبق مع متن الخبر، ونشر أخبار أو إحصاءات أو مواد صحفية مجهلة المصدر وغير موثقة، والمبالغة والتهويل في تناول الأحداث والأرقام، والكذب ونشر شائعات لا أساس لها من الصحة، وإطلاق الاتهامات وإصدار الأحكام على الغير بدون دليل، وتقديم وجهات النظر باعتبارها حقائق وغياب الفصل بين الرأي والخبر، والتهوين أو التهويل من العنف الموجه من قبل الدولة تجاه المواطنين أو العكس بدون دليل.

ويقول التقرير إن جريدة "الدستور" اليومية الخاصة، التي يصدرها رضا إدوارد، احتلت المرتبة الأولى بلا منازع، حيث مارست التضليل 132 مرة بنسبة 28%، من إجمالي مؤشرات التضليل التي مارستها الصحافة المصرية كافة، تليها صحيفة "الوفد" الحزبية، التي مارست التضليل 40 مرة، ثم "روزاليوسف" اليومية "القومية" 40 مرة أيضا، كما احتلت جريدة "الفجر" الخاصة، التي يرأس تحريرها عادل حمودة، المرتبة الأولى في انتهاكها للمعايير الأخلاقية والمهنية في العدد الواحد!.

التقرير أشار أيضا إلى أنه تم رصد 124 انتهاكا لميثاق الشرف الصحفي ومعايير الأداء المهني والأخلاقي في مجال التشهير والسب والقذف، والذي تجلت مظاهره في: استخدام الألفاظ النابية والتعبيرات المبتذلة، ونشر الصور العارية والفاضحة، والتشهير المجهل بالشخصيات العامة والسب والقذف والتجريح الشخصي واختراق الخصوصية، وهو ما يعكس حالة من الانفلات الأخلاقي، تفضي في النهاية إلى مزيد من الفوضى، وهنا أيضا احتلت "الدستور" المرتبة الأولى بمعدل 40 انتهاكا!

التقرير يحمل الكثير والكثير مما يؤلم أي إعلامي شريف، وأي صحفي يحترم المهنة، وأي سياسي أو مواطن غيور على وطنه وأمته، ويبقى التأكيد على ضرورة مواجهة هذه الانتهاكات بكل حزم، ومحاسبة المسئولين عنها حتى تتوقف هذه الجرائم، وهذا هو دور المجلس الأعلى للصحافة، ودور نقابة الصحفيين، فهل يتحرك أحد؟! أتمنى ذلك.