فقدت أستاذي سليم

فقدت أستاذي سليم

سليم زنجير

نسيبة بحرو

فقدت اليوم أستاذي سليم .. سليم الفكر والأدب ، سليم القول والعمل ، سليم النصح والتوجيه ، سليم العاطفة والأبوة .. أستاذي بما علمني من القيم ومكارم الأخلاق بكلماته الفريدة وأناشيده العذبة التي أهداها لطفولتي ، أستاذي بما تعهد مسيرتي الأدبية والعملية من دعم وتشجيع .. أعود بذاكرتي خمسة عشر عاماً إلى الوراء ، إلى أول مقال كتبته وكان وصفاً لإعجابي وسعادتي بألبوم نبع الحب الذي أبدع الأستاذ سليم رحمه الله كلماته ، وأذكر رده الغالي الذي ترك في نفسي الأثر الإيجابي الكبير ، أنقل بعضاً منه ( الرسالة التي تلقيتها تنبئ عن أديبة موهوبة متمرسة في فنون الكتابة وأساليب البيان ، ولو جاء مثل هذا الأسلوب الراقي من دارسة متخصصة للأدب لكان أمراً جديرا بالتقدير والاحتفاء ) .. وأفتح بريدي لأقرأ ردوده المشجعة التي تنثي على ما كنت أرسله له بعد ذلك من مقالات .. مما كتب لي وأعتز به ( سلمت يداك .. في كل يوم نطلع على موهبة جديدة لنسيبة.. هذا المقال يفيض بالحكمة والعقل والذوق والأدب ، مما يعجز عنه كثير من الكتاب .. بارك الله في جهودك ، وشكر لك ، وأثابك على ما تقدمين خير الجزاء.. وجعله في صحائف الوالدين من غير أن ينقص من أجرك شيئا .. أبو الخير ) ، في مقالي الذي يروي قصة خنساء سورية كتب لي ( جزاك الله خيراً ، كتبت عن امرأة بأمة ، مقالاً بكتاب ) وفي مقال آخر (هذا لون من الأدب الإسلامي الإنساني الواقعي، قائم على الصدق، مفعم بالمشاعر مؤثر غاية التأثير .. ورغم أني أعرف القصة وشاهدت الفيديو من قبل، إلا أني حين قرأتها شعرت وكأني أقرأها أول مرة.. لقد أبدعت في وصف المشهد، ونقل المشاعر والأحاسيس الإنسانية السامية، من غير تنميق ولا مبالغة .. بارك الله فيك ، وزادك من فضله ، وتقبل منك )

في بداية الثورة السورية أرسل لي ( آمل أن أقرأ لك مقالاً عن الشهيدة التي قطعت نياط قلوبنا زينب الحصني ) ، ثم أثنى على ما كتبته فيها (سلمت يمينك ، كلمات من أصدق الكلمات، وأجملها، وأكثرها إنصافا وأنبلها عاطفة بهذه الشهيدة العظيمة .. لك الشكر من الناس ، والأجر من الله )

كلما التقيته عابراً كان يسلم علي ويشكرني بينما شكره واجب علي ، وفي كل مرة كنت أتمنى لو يتاح لي مقابلته والحديث اليه وقتاً أطول .. إلى أن أكرمني الله ذات يوم بلقائه ربع ساعة في مكتبه ، فكأنها حصيلة ساعات وأيام بما أهداني من حكم .. حدثني عن المبدأ والهدف ، عن الحياة والجمال ، عن الخير وحب الناس ، وكان مبتسماً ودوداً مشجعاً كما في مراسلاته .. ..

آخر ما أرسل لي ( الابنة المبدعة نسيبة .. تلتقطين الأشياء العادية فتصنعين منها أدبا راقيا مؤثرا .. هذا هو الأدب ، وهذه هي الموهبة الصادقة .. أتمنى أن تستمري في الكتابة، وأن تزدادي من قراءة الأدب الراقي العالمي للكتاب الكبار، وأن تتعهدي الموهبة التي أكرمك الله بها بالرعاية والتثقيف .. فهي تستحق ذلك ، شكرا لك، ورعاك الله ، وزادك إبداعا وعطاء، وشكرا لمن حولك من الأهل الذين يقدمون لك الدعم لمواصلة الإبداع )

لله درك يا أستاذي الكبير ، وكأنك كنت تعلم أنها وصيتك الأخيرة لي .. رحمك الله رحمة واسعة وصبرني على رحيلك الذي لوعني وأبكى قلبي .. العزاء أنك انتقلت الى جوار الكريم الرحيم الذي أسأله أن يحسن مثواك ويجزيك عني خير الجزاء ، وأصبر نفسي بما حدثني به والدي عنك مواسياً ( موت العظماء يا نسيبة هو انتقال من دار الفناء إلى دار البقاء ) .. جمعنا الله بك في دار البقاء وحسبي الله وإنا لله وإنا اليه راجعون ..