القصير.. والمعركة المفتوحة ...

القصير.. والمعركة المفتوحة ...

عقاب يحيى

معركتنا مع نظام الطغمة شاملة. معركة مدنية سلمية، ومعركة مقاومة بشقيها : العسكري المباشر وخرب العصابات والمواقع، وأخلاقية بتجسيد البديل، ووطنية بالحفاظ على الوحدة المجتمعية والجغرافية لبلادنا، وتناقضية لأننا نهدف بناء دولة مدنية ديمقراطية على أنقاض الفئوية والاستبداد والاستئصال والدموية .. وحقوقية تتعلق بالبشر وحقوقهم، والمرأة وكرامتها ومساواتها بالرجل.. ومعركة تربية، وبناء مؤسسات ودستور وقوانين عصرية، ومجلس نيابي سيد، وتعددية حزبية، ومساواة كاملة في الحقوق والجبات للجميع على اساس المواطنية، بغض النظر عن الأصل القومي، والاعتقاد الفكري والسياسي، والديني والمذهبي وسواهم، ومعركة بناء الإنسان السوري الذي شوهته عقود الاستبداد واغتيال الحقوق، والدور.. وحولت معظمه إلى أرقام في علب سردين أجهزة الأمن ..

ـ نعم تغلب العسكري ـ المقاوم على غيره، وبرز طاغياً بفعل عوامل جبرية فرضتها الطغمة كي يسهل اصطياد الثورة، لكن جميع الجبهات الأخرى مفتوحة، وتقوم بدور ما في مقارعة الطغمة وتوجيه ضربات لبنيانها الذي ينهار ويتآكل . حتى في صعيد المقاومة.. فسورية كلها جبهة مفتوحة لمختلف العمليات.. وليست القصير وحدها، ولا بعض مناطق ريف دمشق، أو حلب وسواها.. إنها جميع مدن ومناطق بلادنا..

ـ في مثل هذه المعارك ليس هناك ما يسمى حسماً نهائياً، أو نصراً ثابتاً.. فالطغمة التي سبق وتقدّمت في بعض المدن والمناطق تراجعت ولم تستطع البقاء فيها، والثوار يكرون ويفرون في عديد الأماكن وفقاً لميدان الأرض، وخططهم، وما يملكون من أسلحة وذخيرة وبشر، لذلك هي صولات وجولات.. والقصير واحدة منها .

*******

ليس جلداً للذ1ات أن نعترف بأخطائنا، وتقصيرنا في هذه اللحظة المهمة من عمر الثورة، ولا أن نعرّي النواقص والسلبيات، ونسلط الضوء على نقاط الضعف، وممارسات سيئة تنعكس وبالاً على الثورة..

ـ كما أن مصارحة النفس يجب أن تكون قبل الاتكاء على الآخر، ورمي المسؤولية عليه، وتحميل المجتمع الدولي بتآمر بعض أطرافه، وارتباك عديده، ما يجري في كل شيء، فنحن المعنيون الساس، ونداءات الاستغاثة، والشكاوي لا تفك حصاراً، ولا تحقق نصراً، و"اليد العليا خير من اليد السفلى"، ويد الشعب السوري إذا ما أحسن تماسكه، وإذا ما قامت الجهات المعنية : الهيئات السياسية والعسكرية، والقوى والأحزاب بدورها المأمول، يمكنه أن يواصل اجتراح المعجزات، وأن يحقق التفوق في ميزان القوى بجملة المؤهلات التي يختزنها، وأهمها الإيمان بالنصر ، والتضحية، والتصميم، والإرادة، وتوحيد الكلمة والسلاح والمواقف، ومصادر التسليح والدعم، والمواقف السياسية .

*******

في المقابل.. ليس تخويفاً أو تهويلاً أن نعترف باستفادة الطغمة من أخطائها وتحسين أدائها، وأن نضع موقع حلفائها، ونجداتهم في مكانها الطبيعي.. دون تضخيم أو تقزيم . يجب أن نعترف أن الطغمة وبوجود خبراء من إيران وغيرها، و عبر فشلنا في إحداث اختراقات مهمة فيها، ومن خلال بعض الممارسات المشوهة التي ترتكب باسم الثورة، وتفرّق العمل العسكري في كتائب ما أنزل الله بها من عدد واختلاف، وعديد التصرفات السلبية، والتشبيحية التي ترتكب باسم راكبين على الثورة.. وكثير مما يقال ويعرف..أن نعترف بأنها تستفيد من أخطائنا وشرذمتنا وخلافاتنا. من واقع الإئتلاف ومهازل التوسعة. من العجز عن النهوض بالمسؤوليات. من الارتباط بالميدان والوفاء له.........

ـ من جهة أخرى، وعلى صعيد التحالفات.. ورغم اننا نعرف، ونقدر حجم المساعدات العربية والدولية التي تصل للثورة، والتي تسهم بدور مهم في تلبية عديد الاحتياجات، خاصة الإغاثية والإنسانية.. والتي لا بد أن نقابلها بالشكر والعرفان، خاصة من الأشقاء العرب وتركيا.. فإن المعادلة مختلة تماماً لصالح الطغمة. حلفائه، أو لنقل شركاءه.. يتعاملون معه بوحدة حال. يقدمون كل أنواع الدعم..التي وصلت إلى الغزو المباشر لقوى خبيرة، مدربة، وتملك اسلحة متفوقة.. ناهيك عن إيران ثقلها، وروسيا وإمكاناتها..وهو أمر يدعونا للتبصر ليس باتجاه اليأس والتيئيس، ولكن لوعي اللوحة كي نبني سياساتنا على ضوئها فلا تكون انهزامية، ولا هروبية للأمام.. فنسقط في الحالين.

ـ نعم، ورغم رجحان الكفة لصالح الطغمة..إلا أن الثورة خلفها شعب بالملايين.. وشعب مصمم على الاستمرار لأنه لا يملك خياراً آخر، ومئات آلاف المقاتلين المستعدين للتضحية بأرواحهم.. وقابليات مفتوحة لدى بعض الدول العربية والغربية لدعم محسوس حين نُحسن الأداء، ونعرف كيف نتحرك، ونعرف كي نصوغ التكتيك الذي يوصل للهدف.

*******

بقي أن نقول.. حتى وإن سقطت القصير، وبعض المناطق.. وحتى لو هوّل العديد منا، ومن العدو نتائج المعركة ـ إن انتهت لصالحه ـ فليست القصير الحد الفاصل، وسيستعيدها شعبنا.. ولن يقدر غزاة حزب الله، والطغم كلها على الحفاظ عليها طويلا.. ثم أن معظم مناطق بلادنا هي قصير آخر تستدعي التفكير الجدي بوسائل العمل فيها ..