الفخر لمن فيكما؟

الفخر لمن فيكما؟

عابدة العظم

يعتز أكثر الناس باقتناء المنتجات التي تحمل أسماء الماركات المشهورة، ويتعاملون معها بكل إجلال وإكبار ويحرصون على جذب انتباه الناس إلى ما يحملونه ويستعملونه من هذه المنتجات الأصلية الغالية، لينالوا اللازم من الإعجاب والتقدير والاحترام!

إذن هي تستعمل للتكبر والتفاخر!!

ولا أدري هل اقتناء هذه الأشياء فخر للحامل أو المحمول؟ أقصد للمستهلك الذي يستعملها أو للمصمم الذي ابتدعها؟! وإني حين أضع نظارة للمصمم الفلاني أو أحمل شنطة من دار أزياء عالمية... هل أكون مختلفة؟ هل أصبح أعلى قدراً؟ وهل أزيد أنا شيئاً؟

قد يبدو لك أني أصبحت متميزة بهذا العمل ولافتة للأنظار، وسيحترمني الناس، وسينظرون إلي بتقدير، وسيسارعون إلى خدمتي وتلبية طلبي إذا دخلت محلاً تجارياً أو دخلت مطعماً أو ركبت طائرة.

هذا الظاهر أما الحقيقة:

1- الناس يخدمونني لأنهم يريدون مالي! نعم فمظهري الغني سيثير الطامعين وسأكون صيداً رائعاً لهم، سيتلاعبون بي ويتراكضون لتلبية طلبي ويغلون الأسعار علي رغبة بأن ينالهم شيء من ثرائي، فيزينون لي البضائع ويحاولون إقناعي بكل وسيلة لأشتري ما لديهم، وكم انخدع الأغنياء واشتروا ما لا يحتاجونه، وكم اقُنعوا ببضائع فاسدة وكم تعرضوا للغش، وكم أزعجهم المسوقون... وهذا ليس احتراماً لهم وإنما هو كيد ومكر واستغفال للشخص الغني، واستخفاف بذكائه، وهو سرقة على المكشوف.

وحين يدخل إليهم الإنسان العادي يهملونه لا يلتفتون إليه، ويستخفون بطلبه لأنه لن يدفع، ولن يزيد ثراءهم، وليس لديه ما يأخذون. وهذا ظاهره "الغبن (لمتوسط الدخل)" وحقيقته "الحرية في الشراء والاختيار"، فيتجول المرء على راحته في المتجر ويأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء ولا يلاحقه الموظفون بإلحاحهم وصخبهم.

2- الذي سيستفيد حقيقة من اقتنائي للبضائع الفاخرة هو المصمم ولست أنا! وسيرتفع شأنه ويعلو قدره وسيزداد شهرة بين الناس وسيزداد الطلب على إنتاجه، وسيزداد صلفاً وتكبراً.

وسأخسر أنا أموالي على هذه السلع الكمالية.

3- ونجاح المصمم سيؤدي لنجاح أكبر، وسرعان ما سيبتدع شيئاً جديداً ويبدل الموديلات، وسيرجع وبال ذلك علينا، فنحن نخدمه ونشتري منتجاته ونُربح تجارته فيسيء إلينا وينتج غيرها، ويصبح ما لدينا موضة قديمة بائدة لا تصلح للتفاخر أمام الناس، ويجبرنا على الدفع من جديد وشراء بضاعة أخرى. ولا يهدأ ولا يتوقف عن هذا السلوك! بل يفكر باستمرار بطرق خبيثة لإغراء زبائنه بشراء المزيد من منتجاته، ويبتكر طرقاً بديعة لاجتذاب زبائن جدد.

4- سيطمع ويغلي الأسعار على الناس، وسيرتفع رصيد المصمم في البنوك، وسينتقل المال من جيوبنا جميعاً إلى جيبه، وسيصبح هو غنياً ونحن الأقل مالاً، وأهمه سيكثر فسقه وفجوره، فما تظنونه فاعلاً بأموالنا؟ هل سيتصدق بها؟ هل سيبذلها للمحتاجين؟

سينفقها على الخمر والنساء والقمار واللهو، وسنشاركه نحن في هذا الإثم.

وتكونين وكأنك حملت أموالك وأعطيتها لرجل كافر ليتقوى بها على الفسق والفجور.

يا أيها الناس انظروا إلى الموضوع من الزاوية الثانية، وفكروا معي:

1- السوق مليء بالمنتجات وفيه بضائع ظريفة ومرتبة وفاخرة وأنيقة، ولا تحمل أسماء الماركات، فما عيبها؟

أعتقد أنها ممتازة وتناسب كل الفئات ومنهم الأغنياء.

2- اهتمامنا بالماركات يعني اهتمامنا بالمظاهر، وهذا يعني إلغاء لإنسانية الإنسان ولجهده ولكده ولأفكاره... وجعله مادة أو مال يمشي على الأرض، ويصبح لكل فرد منا سعر خاص يتبع جواله وساعته وحليه ونظارته وأزرار ثوبه... وبعد تسعيره نحدد طريقة التعامل معه فنحترمه أو نهينه، نهجره أو نصادقه نزوجه أو ننبذه.

فإن لم نلبس "الماركات" كنا بلا شأن، ولا قيمة لأي أحد منا ولا لشهادته العلمية القيمة فقط لاسم "الماركة" التي يقتني منتجاتها (أي للشخص الذي ابتدع الماركة وصممها). والنتيجة رجل هاو وكافر يحدد قيمة كل منا!؟ فأي هوان هذا.

3- الاهتمام بالمادة أورث التكبر والنظر باستعلاء لغير القادرين على الشراء، وهو خلق نهى عنه الإسلام وحاربه بقوة، وجعله من الكبائر.

وهذا وسع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وأوجد الحقد والسخط ومحق القناعة والرضا، وقلل من التقوى بين الناس وزاد من السرقات والرشاوى.

4- والاشتغال "بمتابعة الموضات" و"الاستزادة منها" و"التفاخر فيها" شغل الناس عن متابعة أولادهم وشؤونهم، وجعلهم يتابعون آخر الموضات وأحدث الصيحات، فهذه الموضوعات أهم عند الناس من أي حدث آخر. وتحزب الناس كل لمصممه المفضل يروج لبضاعته ويشجع منتجاته التي قد لا يرضى عنها الإسلام أحياناً لما فيها من السرف ولما في بعضها من المخالفات وإبداء للعورات.

أيها المنفقون بلا حساب

هل تظنون مصمم الأزياء يعمل من أجلنا ولخدمتنا، هل تعتقدون أنه حريص على أناقتنا وحسن مظهرنا؟ هيهات هيهات إنه يعمل ليرتفع ذكره ويشتهر في الناس، ويخطط ليحصد الأموال ويزيد ثروته... نحن لا نهمه في شيء، ما يهمه هو التصرف بدهاء ليأخذ أموالنا وعن طيب نفس منا، إنه يتحايل علينا بطريقة ذكية فيجلس هو في عليائه يكيد ويدبر، وتنجح مخططاته ونأتيه نحن راغبين متلهفين على آخر صيحاته ونقدم أموالنا بلا عد ولا حصر مقابل أعراض كمالية لا تفيد إلا في العلو والتفاخر المذموم.

والخلاصة:

بأموالنا نحن المسلمين نزيد ثروة الفاسقين والكافرين ونعلي ذكرهم. ونفعله:

لكي نتكبر على إخواننا في الدين (وأكثرهم مساكين ودخلهم قليل).

لكي نسعد ونفخر بمجاراة المترفين.

فما هو الفضل الذي حصلنا عليه؟ ولمن الفخر فيما فعلناه؟