لحظة الخلق والإبداع

زينب الخالدي

الكتابة مسؤولية والتزام ... لأنها صدق مع النفس أولاً وأخيراً ، فلا قيمة لشعر أو أدب لا يخاطب الوجدان ، ولا يمتلئ بشحنات إنسانية تعبر عن تجربة تختصر المسافات، لتقدم الخبرات والتجارب التي استغرقت سنوات من عمر صاحبها ، لتصل إلى الطرف الآخر" المتلقي " وهو في حالة استرخاء واستجمام حيث يجني المعرفة بدون تعب وكد،ويصل إلى شواطئ الفائدة والمتعة والراحة النفسية بدون بذل جهد أو عناء.

 ولا قيمة لقلم لا يعالج قضية ولا تتوهج من حروفه مشاعر وطنية أو إنسانية يوقظ فيناالمشاعر،ويضيء لنا جوانب الظلمة بعيداً عن الأطرالضيقة للأفكار والحدود المصطنعة للكلمة ، ينطلق في سماء النفس الخالدة حيث تلتقي الأرواح دونما حاجة لجوازات سفر ، يطبع في القلب بصمة خالدة لايمكن أن تزول آثارها .. ومن هنا كان انفعالنا وتأثرنا بكاتب ما ، أو نفورنا من قصيدة ارتدت ثوباً مبهرجاً ، كلماتها مترفة ، أسلوبها مفتعل مصنوع  ألفاظها غثة لاتغني ولاتسمن من جوع ،أو شعورنا بالحيادية تجاه رأي مطروح في مقال ما

هنا تبدو القدرة على الرسم بالكلمات وتصويراللوحات ببراعة فائقة حيث تظهر الكتابة كأنصع  ما تكون عندما تكتسي ثوب الصدق المغلف بالإحساس المتدفق بسلاسة المعاني والإيحاءات التي تنعكس عليها إشعاعات الروح والنفس فتخترق حواجز القلب بلا استئذان ، لتستقر في الأعماق تاركة هذا الأثر اللطيف اللذيذ الذي يطلق كل مكنونات النفس فتبدو كالمرايا تعكس روح كاتبها ، وكل قارئ يسقط مابداخله عليها  ليرى نفسه من خلالها.

 لحظة الخلق والإبداع لحظة ولادة  قد تكون عسيرة أحياناً ، ولكنها بعد فترة مخاض عسير تنفرج عن بُشرى  لمولود  يخرج إلى النور معافى ، ينشر الفرح في القلوب ، وينثر البهجة رياحين وزنابق في النفوس، وفي كل الأماكن والزوايا يستولد النور والبهاء ، ويستخرج الأحاسيس الكامنة بين الضلوع ،وينتزع من الثغور ابتسامة الظفر وتحقيق النجاح.

و يتوقف هذا على الاهتمام بلحظة الولادة ومرحلة ماقبل الولادة فإذا لم يحظ الجنين بالرعاية والاهتمام خرج مولودا معتلاً يعاني الكثير من المتاعب أما إذا كانت هذه المرحلة تحظى بالاهتمام والرعاية والمتابعة فإن الولادة ستكون ناجحة موفقة وكذلك الكتابة.

والتشابه كبير بين الإبداع والولادة فكلاهمايتعرض للأزمات  ولحظات إحباط وانكسار ولحظات ترقب وانتظار وفرح ، وهما  يمران بمراحل متشابهة بدءاً بمرحلة  الحضانة والتكوين ، ثم مرحلة النمووالتشكيل، حتى مرحلة الولادة والخلق والخروج إلى النور...

هذه ولادة بشرية، وتلك ولادة فكرية أدبية ،وكلاهما حالة ولادة تعطي الكثير من

الفرح والسرور لصاحبها وللمحيطين به.