صراع بين مشروعين ( 4 )

صراع بين مشروعين ( 4 )

بدر محمد بدر

[email protected]

نجح دعاة العلمانية على مدى قرنين من الزمان في تخريب القيم الأساسية للإنسان المصري، وهو ما يفسر لنا هذا الحجم الهائل من التدهور الأخلاقي والعنف السلوكي وخراب الذمم، الذي نراه في مجتمعنا الآن.

نعم نجح رموز العلمانية في تنحية الدين عن واقع الحياة، وعزله عن التأثير الإيجابي في التعليم والإعلام والثقافة والأدب والفن، وبات الإنسان المتدين صورة كريهة ومنفرة ومشوهة في الأعمال الفنية والأدبية، التي تحولت إلى أفلام سينمائية أو مسرحيات أو مسلسلات تليفزيونية تدخل بيوت المصريين، وبالطبع لا يعرف الناس الخلفيات الفكرية والأحقاد الأيديولوجية لهذا المؤلف أو ذاك، لكن الأداة المسيطرة على وسائل التأثير والتوجيه تعرف كيف توظف هؤلاء لتحقيق الهدف.

راجعوا معي مشهد الإنسان "المتدين" في السينما المصرية طوال تاريخها، وتذكروا صورة هذا "المتدين" خصوصا في السنوات العشرين الأخيرة، سواء في الأفلام أو المسلسلات التي تعرض في التليفزيون، إنه غالبا ذلك الإنسان المنافق المخادع اللص الكاذب، الذي لا يطوع الدين لخدمة أغراضه الدنيئة، ثم هو أيضا الإرهابي الذي يهوى القتل وسفك الدماء ويردد كلاما غير مفهوم عن الجهاد وحرب الكفار، ويتصرف بطريقة تكشف عن خلل عقلي ونفسي، ولا هدف له إلا طاعة أميره!

إنها الصورة النمطية الشائهة للإنسان المسلم المتدين، التي حاول العلمانيون غرسها في نفوس الناس طوال عقود، عن طريق توظيف الفن والأدب، واستخدام وسائل الاتصال الجماهيري، والإلحاح المستمر في تنفير الناس من الدين، وإثارة الشبهات حول المتدينين عموما، وهو ما أدى إلى فقدان قيمة التدين لدي الكثيرين في المجتمع، وبات الإنسان الملتزم عرضه للسخرية والتقريع والإسفاف في معظم الأعمال الفنية، بل أصبحت الشعائر الدينية أيضا مادة للتهكم والضحك والابتذال! 

ويكتمل المشهد العبثي بحصار الإسلاميين في كل المواقع الثقافية والأدبية والفنية، ومنع اقترابهم من أي وسيلة يتواصلون بها مع الناس، وحرمانهم من أي نافذة في وسائل الإعلام أو مناهج التعليم أو منابر الأدب، ناهيك عن اعتقال وسجن وتشريد الآلاف منهم، خصوصا في فترة الستينيات وما تلاها، مع بدء مرحلة التحول الاشتراكي، والأمر المثير للدهشة والاستغراب هو استمرار هذا الحصار الشائن والتشويه المتعمد للإسلاميين حتى الآن، بل وترديد الأكاذيب عن سياسة "الأخونة"! 

التفسير الطبيعي والمنطقي لحالة العنف والفوضى، والسقوط الأخلاقي، والتردي القيمي، والانحراف السلوكي، التي ظهرت في المجتمع المصري بعد قيام الثورة، يكمن في هذه الحالة من تشويه الدين والمتدينين، وتنحية القيم والعقيدة الإسلامية عن الحياة، وغرس الأنانية وحب الذات، ونشر الإباحية والعري والجنس، وترويج الخروج على الأعراف والتقاليد، إنها نتيجة طبيعية لجهود أصحاب المشروع العلماني في تجريف الدين من النفوس، وإبعاد المتدينين عن دوائر ومنابر التوجيه.

إنه الحصاد المر الذي يواجه الإسلاميين الآن، ويكاد يعصف بأمن واستقرار المجتمع المصري، وأولوية العلاج هي مسئولية وطنية وأخلاقية ودينية، تقع على عاتق الأزهر الشريف ومؤسساته وعلمائه ودعاته أولا، وأيضا على كافة العاملين في حقل الدعوة إلى الله، وعلى رأسهم الجماعات والحركات والتيارات الإسلامية، إنها جهود لإعادة بناء وتماسك المجتمع على أساس القيم الدينية، والسلوك الأخلاقي، واحترام الأعراف والتقاليد، إنها محاولة لاستئصال المرض من جذوره.

ليس لدي أدنى شك في أن المشروع الإسلامي، الذي يواجه الآن معركة ضارية، يستخدم فيها غلاة العلمانيين كل أسلحة الكذب والتشويه والتدليس والتآمر والفوضى، وحتى التحالف مع الشيطان، سوف ينتصر في النهاية بإذن الله لا محالة، لأن الشعب هو الذي يحميه، والحرية هي التي ترسخه، والثورة أطلقت له العنان!