نتكلم عن تجربة إسلامية قادمة للحكم

قدوم خير ويمن

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)) الأنفال: 24

تلوح لنا مواكب الإسلام بالفلاح، نمد أبصارنا إلى عهود كنا فيها قدوة العالم، راجين أن نعود لتصهل خيولنا المطهمة في أرجاء العالم، لنهدي إليه الأمن والأمان والسلام فوق مائدة القرآن، حيث تطأ بأنوارها وتشكيلة طعومها هواجس ومخاوف وقلق المتخوفين، فهي (مائدة القرآن) ليست إلا دعوة للحياة، فالاستجابة لها وزيارة شواطئها، والقطف من ثمارها وشذى زهرها هو خير ويمن وبركة، وإن هو إلا الحياة الطيبة والملاذ الآمن للإنسان أينما كان في الدنيا والآخرة، وذلك ما قال فيه جل وعلا: ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)) .

ولكن هناك أناساً جهالاً يصرون على أنهم علماء أو عالمون بما يصلح الناس، فيقودون من يصدقهم إلى الخسران وإلى الضلال، فهؤلاء ممن أُفسح لهم مكان واسع في وسائل الإعلام، وظنهم الناس _من كثرة ما تتردد أسماؤهم في الوسائل_ فاهمين عالمين، حتى إذا جرى البعض خلف ما يطرحون، ووجدوا العجب العجاب، مما يخالف شخصية الأمة وهويتها، ويخالف الوقائع الحقيقية المشهودة في ساحات المجتمع، علموا أن هؤلاء ليسوا بعلماء ولا بفاهمين، إنما هم مهرجون، دفعهم إلى ما هم عليه من كيد للإسلام والمسلمين، إما الجهل المطبق بالمواضيع التي يطرقونها، وإما أنهم يقولون ما يقولون مقابل ما يحصلون عليه من قبول ورفع مقامات عند الغربيين، وعند وكلائهم الكبار في الأمة، وحالهم هذا ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه البخاري ومسلم: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) .

وفي الساحة حراكيون إسلاميون، يمارسون حراكهم طالبين الخير والصلاح والإصلاح للأمة بكل وسيلة سلمية مشروعة، لكن بعض المصرّين على أنهم عالمون علمانيون ليبراليون، يفتئتون عليهم فيطالبونهم بتقديم ضمانات يتعهدون بها أنهم لن ينقلبوا على الديمقراطية إذا حكموا، ولا يحولونها إلهية (ثيوقراطية) استبدادية جديدة، بدل أن تؤدي الثورات في الربيع العربي إلى حرية الأمة وكرامتها، والتزام شخصيتها وهويتها وكلمة تقولها نابعة من هويتها.

فهل هذه مخاوف مشروعة؟ وهل كان أكثر الناس لينتخبوا ذوي الاتجاه الحركي الإسلامي (في المغرب وفي تونس وفي مصر، والغالب أنهم سينالون القبول في أغلب بلدان العرب والمسلمين) لأنهم يخشونهم؟ أم لأنهم يثقون بهم وبمشاريعهم ومرجعيتهم ..؟

إن قدوم الإسلاميين قدوم خير ويمن وبركة إن شاء الله، فهم الذين كانوا دائماً يقفون في:

1_ صف الناس معاناة وعوناً ومعيناً، يفرجون الكربة عنهم، ويتحملون العنت في سبيل الوصول إلى خيرهم وبرهم وتسديد أمرهم داخل مرجعية دينهم العظيم ورؤيته.

2_ وفي مقدمة المتحملين لأذى النافذين، _سواء كانوا من بعض الحكام أم كانوا من جهال الأمة الذين تسلطوا على سطوح الإعلام وقالوا عن أنفسهم أنهم مثقفون ليبراليون علمانيون_، ناطقين بفهم عالٍ لدينهم وقرآنهم وحديث رسولهم وفقه فقهائهم الأفذاذ، ولم يدّعوا يوماً أن فهمهم هو الأول والآخر، بل صرحوا دائماً أنهم على قدم قول الشافعي رضي الله عنه: ( رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وعلى قدم من قال قولته الفذة، نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).

3_ وكانوا على رأس المتكلمين باسم الإسلام وأحكامه، غير آبهين بمن طلب منهم أن يعلنوا بوضوح أنهم لا يمثلون الإسلام فيما يقولون وما يفعلون؛ لأنه طلب تعسفي للإحراج مشبوه الصيغة والمرامي؛ إذ إن الإسلاميين لم يقولوا يوماً إن فهمهم هو الحق الإلهي الذي لا يخطئ، بل قالوا دائماً: إن ما يقولون وما يفعلون هو فهم بشري للنص الرباني، يراعي أوضاع الناس وظروفهم وأفهامهم وعصرهم، وأنهم مع دولة مدنية مرجعيتها إسلامية؛ فالدولة في الإسلام مدنية فذة مذ كانت.        

لقد اشتط المتفيهقون من العلمانيين والليبراليين، فقرروا مسبقاً أن الإسلاميين سوف يتراجعون عن حقوق الإنسان، وسوف ينقضون عهدهم برعايةالحريات وبناء الديمقراطية المستمرة، وأنهم سيلغون العقل ليلتجئوا إلى الفتاوى المكثفة في كل كبيرة وصغيرةن وأنهم سوف ينقضون عهدهم بالدولة المدنية، ويلغون حقوق المرأة في صورتها العالمية..!! أرأيت صورتها العالمية التي بدأ الغرب نفسه يضج منها ومن عفنها.

4_ إن من الحقائق الثابتة التي لا مجال لنقضها، حقيقة أن أي فكرة أو ( أيديولوجية ) لا بد لها إن أرادت أن تحيا من وجود من يحملها ويتكلم باسمها، ويجتهد في دعوة الناس إليها، وإلا كيف أكون حاملاً للإسلام ولا يحق لي أن أكون ناطقاً باسمه أو ممثلاً له من بين العديدين الذين يمثلونه؟!

فهل نتذكر في هذا المجال فعل الخوارج مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موضوع التحكيم وقولهم  (لا يُحكّم الرجال بكتاب الله)؟ وإذن من يفسر كتاب الله ويشرحه وينشره؟ أليسوا هم الذين يحملونه ويقدمون حياتهم في سبيل رفعة مجده، ويتحملون الأهوال للوصول إليه، قولوا لنا،أجيبونا أيها المتعالمون المتفيهقون؟! ولتعلموا أن الناس لا يتخوفون من الإسلاميين، بل هم ينبذونكم؛ لأنكم لستم مع هوية الأمة واستقلالية شخصيتها.