الإمارات بين الأخونة والانهيار

خليل الجبالي

[email protected]

تعيش حكومة الإماراتية هذه الإيام حالة من الرعب الشديد أن تهب عليها رياح ثورة الربيع العربي التي لحقت ببعض الدول العربية فانقض عرش حكامها، وأدت إلي إنهيار النظم العربية التابعة للقوي الصهيوأمريكية في تلك الدول التي لم تستطع أمريكا وحلفاءها من إنقاذها قبل الإنهيار، فقد أصبح حكامها بين مقتول ومطرود ومحكوم عليه خلف أسوار السجون.

ومما لا جدال فيه أن أمريكا كانت تحرك دول الشرق الأوسط من خلال مندوبها المخلوع حسني مبارك في تلك الحقبة ، فقد كانت له السيطرة السيادية التي صبغته إياها علي من حوله ، فأصبح اللسان الذي ينطق بما تمليه أمريكا ، وأصبح اليد التي تبطش بكل معارضي الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط، وأول من بطش بهم مبارك مواطنيه من الإسلاميين عامة ومن الإخوان المسلمين خاصة، فهم يمثلون العثرة الكبيرة في طريق المخطط الأمريكي.

فإستخدم مبارك كل ما أوتي من أدوات البطش والتنكيل فنصب المحاكم العسكرية للإخوان المسلمين ، وعزل بعضهم من وظائفهم الحكومية ، وأغلق شركاتهم ثم استولي علي بعضها، ورمى بعضهم في غياهب السجون سنوات عديدة، وصاروا معظمهم زواراً دائمين علي تلك السجون.

(ولَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ (54) سورة يونس

وبعد ثورة الحرية التي عمت مصر والتي كان للإخوان المسلمين نصيب الأسد في تحريكها وتواجد أعضاءها بين صفوف الثوار حتي تحققت وزال عرش مبارك ما كان لأمريكا إلا أن تبحث لها عمن يمثل، فلم تجد أنسب من دولة الإمارات التي تجمعت أسباب عدة تؤهلها لنيل الشرف الأمريكي في الظلم والبطش والتجسس والتخريب والتلفيق والتدخل السافر في شئون الدول العربية والإسلامية ومن تلك الأسباب:

ـ تطلع الإمارات أن يكون لها الريادة علي الدول العربية رغم صغر حجمها وقلة عددها [بلغ عدد سكانها 980 ألف مواطن إماراتي فقط و7.32 ملايين مقيم ].

ـ إنفتاح الإمارات علي دول العالم بلا ضوابط أخلاقية أو سلوكية أو عقائدية وفتح أبوابها لهم جعل تدفق الجنسيات إليها ما يزيد عن 176  جنسية من مختلف جنسيات العالم.

ـ شبكة الطيران الكبيرة بينها وبين دول العالم أتاحت التغطية الأمنية الازمة لحركة المسئولين الأمنيين من الدول المعنية بثورات الربيع العربي مثل أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وسوريا وإيران وروسيا والصين وغيرهم.

ـ عدم وجود جيش إماراتي قوي يدافع عن مقدراتها أعطي إنبطاحاً إماراتياً لأمريكا وخاصة في ظل وجود القواعد الأمريكية علي أرضها.

ـ تدفق الأموال إلي الإمارات نتيجة قيامها بهذا الدور الهام في تلك الفترة سواء في صورة إستثمارات أوتجارة، ومن ثم تحوله إلي المساندين للفكرة الليبرالية المعادية للمشروع الإسلامي في بلادهم.

إن الخوف الشديد للحكومة الإماراتية أن تري سلطة عباءتهم شمس الحرية جعلتهم يعتقلون كثيراً من المصلحين الإسلاميين الذين ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين، فقامت بإعتقال من ينتمون إلي جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي التي لا تنتهج العنف في وسائلها بل شاركت في نقاشات سياسية سلمية في الإمارات على مدار عدة أعوام وتدعوا إلى قدر أكبر من الالتزام بالتعاليم الإسلامية، وكذلك قامت الحكومة بإسقاط الجنسية الإماراتية عن سبعة من علماءهم ومفكريهم!.

واعتقلت حكومة الإمارات مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين والكوادر المصرية ممن يعيشون علي أرضها منذ عشرات الأعوام  بحجة أنهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وهي تعلم جيداً أن هؤلاء الرجال لم يضروا الأرض التي عليها يوماً، بل عملوا علي تنميتها بفكرهم وعقولهم، فشيدوا البنايات، وأنشأوا المؤسسات، وقاموا بتدريب وتنمية الكوادر الإماراتية في الجيش والشرطة والمؤسسات الحيوية لديهم ولم يشتك منهم أحد، بل لم تُرصد أي مخالفة علي واحد منهم في الفترة الماضية.

إننا لم نسمع عن دولة من الدول تنال من النساء المسلمات مثلما نالت الإمارات ببعضهن، ظناً أنهن ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين، فتعتقلهن بحجة تكوين تنظيم نسائي يضر بمصلحة البلاد!

( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) سورة النساء.

إن الحكومة الإماراتية أطلقت لسان المدعو ضاحي خلفان لينال من جماعة الإخوان المسلمين ورجالها بالسباب والشتائم والتجريح دون ضابط أخلاقي أو سلوكي وهي تبارك هذا المسلك الذي تشمئز منه العقول الواعية لما يحاك بالوطن العربي والمسلمين.

إن الحكومة الإماراتية لا تستطيع مواجهة المنظمات الحقوقية بعرض أسباب إعتقال هؤلاء الإسلاميين من الإخوان سواء من الإماراتيين أو ممن يعيشون علي أرضها مما جعل تلك المنظمات ترصد ما يزيد عن 22 إنتهاك لمحكمة أمن الدولة العليا أثناء محاكمتهم للإماراتيين ، حتي أن هيئة المحكمة أسندت إليهم إتهامات ستة لم يقوموا بواحدة منها، وهي:

١قلب نظام الحكم في الدولة أو الاستيلاء عليه.

٢-  تعطيل أحكام الدستور أو القوانين.

٣مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة.

٤منع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها .

٥الاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين أو غيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور أو القانون .

٦الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي.

ومن الملاحظ أن هذه الإتهامات هي نفسها التي كانت تلصقها نيابة أمن الدولة بمصر لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس المخلوع مما يؤكد أن الظلم ملة واحدة ، وأن محركهم نحو الخوف والترويع واحد.

(ولَوْ يَرَى الَذِينَ ظَلَمُوا إذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ (165) إذْ تَبَرَّأَ الَذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَذِينَ اتَّبَعُوا ورَأَوُا العَذَابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وقَالَ الَذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ومَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)سورة البقرة

إن خوف الحكومة الإماراتية من أخونة الدولة كما تدعي يجعلها تنجرف نحو ظلم الأبرياء والبعد عن المصلحين وغض الطرف عن مصلحة البلاد مما سيوقعها لا محالة في دائرة الإنهيار التي لحقت بالحكومات السابقة في مصر وتونس وليبيا واليمن، فدولة الظلم ساعة ، ودولة الحق إلي قيام الساعة .

فالمتتبع لحركة الحكومة الإماراتية المخطط له من قبل الكيان الصهيوني والمدعوم من أمريكا ليدرك أن الإنهيار بتلك الحكومة سيلحق بها قريباً ، فالدولة التي تأوي بين جنباتها من ظلموا شعوبهم، ونهبوا أموالهم، وأستقووا بأعداهم علي بني جلدتهم ليُصبوا عليها دعواتُ المظلومين ، وليتحقق فيها قول الله تعالي:

ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) سورة هود

(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَذِينَ ظَلَمُوا والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (45) سورة الأنعام.