مخالي شِل

يسري الغول

[email protected]

في زمن قديم، وحين كانت تتم معاقبة المجند داخل معسكر التدريب أو التجنيد، فإنه يؤمر بأن يحمل عتاده الثقيل، وصوت الشاويش أو الضابط يهتف به: "مخالي شَل" أي احمل كيس العتاد، فيفعل ذلك المجند مغلوباً على أمره جارياً بمخلاته الثقيلة داخل أروقة الموقع العسكري، ليكون درساً له بعدم تكرار خطأه. وهذه القصة أشبه بما يجري اليوم بحق أطفالنا في المدارس الابتدائية والإعدادية وغيرها، فهم يعاقبون على رغبتهم بالتعلم من خلال حملهم لتلك الكتب والدفاتر التي تحني ظهورهم حتى لا يرفعوها بعد ذلك أبداً، جاعلة الكراهية شعاراً لتلك الحقيبة، التي كان من الممكن لها أن تكون أهم عناصر الحياة للطفولة، ولكن سوء الإدارة والتخطيط فيما يبدو سيجعل من مستقبل صغارنا جحيماً.

ولا يتوقف الأمر عند الكتب الدراسية الكثيرة بما لا يستطيع تحمله العمر العقلي للطفل أو حتى ظهره، بل إن بعض المدرسين يمارسون نزوة إعدام الطفولة بأيديهم من خلال الضرب المبرح ظناً منهم أن ذلك قد يجدي نفعاً بمن لا يستطيع عقله أو عقل والديه تحمل فهم تلك الألغاز والأحاجي الدراسية، وهو ما سنسرد له عدة مقالات تسعى لنهضة ثقافية تعليمية فكرية واعدة.

لقد عاد ابني أنس ذات مرة من المدرسة، وهو في السنة الدراسية الأولى، فحملت عنه الحقيبة لأكتشف أنها أثقل من أن يحتملها ظهر طفل لم يصلب عوده بعد. الأمر الذي دفعني ككثيرين مثلي أن نتساءل: إلى متى؟ فللأسف حين يقوم البعض بالمناداة بتخفيف العبء عن الطفل، يثور عدد من مشرفو المناهج التعليمية كأنه لا ناقة ولا جمل للمجتمع بفهم مثل تلك القضايا، بادعائهم أنهم أكثر الناس خبرة ومعرفة فيما تحتاجه المرحلة.

إن أطفالنا اليوم يواجهون أخطر تهديد على صعيد الصحة النفسية والبدنية والعقلية بسبب تلك الحقيبة التي أوجدت التكنولوجيا بدائل جديدة عنها. فأين مشرفو التربية حين يكون ظهر الطفل عرضة للالتواء وللعديد من الأضرار الصحية، فمن المعروف أنه إذا زادت الحقيبة عن 10 إلى 15% من وزن الطفل ستشكل أضرار جسيمة للطفل، لها ما بعدها. فالطفل الذي يحمل حقيبة ظهر ثقيلة يلجأ إلى تقويس ظهره والانحناء للأمام، والالتواء أو الميل إلى أحد الجانبين، وكل هذه التغيرات في وضع الجسم يمكن أن تتسبب في حدوث خلل في العمود الفقري، بالإضافة إلى أنه حين تكون الحقيبة ثقيلة للغاية فإن ذلك يجعل العضلات تعمل بشكل أكثر قسوة، مما يؤدي لإصابتها بالتوتر والإجهاد وجعل العنق والكتفين والظهر أكثر عرضة للإصابة.

إن الحقيبة المدرسية تسبب أيضاً ضغطاً على القلب والرئتين نتيجة لتشويه الهيكل العظمي والعمود الفقري، مما قد يستدعي أحياناً إلى تدخل جراحي. فالمرحلة السنية لتلاميذ المدارس مرحلة لها حساسيتها وخطورتها يا مشرفو التربية لأنها مرحلة نمو جسماني وعقلي وانفعالي. وهو بالضرورة ما يدعونا لأن نطلب منكم جميعاً ومن أرباب هذه البلاد بأن يجدوا لنا حلولاً إبداعية تقي أبناءنا الأمراض وكراهية الكتب.