تفاؤل وتشاؤم

د. هشام رزوق

إصراري على أن أكون متفائلا بمستقبل الثورة التي يخوض غمارها شباب سورية وجيشها الحر نابع من الظروف التي رافقتها منذ أن كانت ثورة سلمية ومظاهرات واحتجاجات شعبية شاركت فيها شرائح واسعة من أبناء الشعب السوري وخاصة من أطراف المدن، ومن البلدات والقرى ذات الطابع الفلاحي ومن الفقراء والمهمشين، إلى أن تحولت إلى ثورة مسلحة مدعمة بآلاف المنشقين عن الجيش النظامي وممن حملوا السلاح دفاعا عن أنفسهم وعن أملاكهم وأعراضهم، إذ رغم وحشية المجازر ورغم الدمار والاعتقال والتهجير الذي طال أركان البلاد الأربعة، فإن النظام لم يستطع، رغم الفارق الهائل بكمية الأسلحة ونوعيتها بين مايملكه النظام وما تملكه الفصائل المسلحة والجيش الحر، من أن يقضي على تلك الثورة أو أن يحد من انتشارها، بل بالعكس فإن النظام هو الذي يخسر الكثير من المواقع ومساحات شاسعة من الأراضي في شمال وشمال شرق وجنوب البلاد، إضافة إلى ان المواجهات أصبحت في قلب العاصمة دمشق بكل ما تحمله من رمزية لكلا الطرفين.

إذن يمكن القول بأن الثورة لا محال منتصرة مهما كانت التضحيات ومهما استخدم النظام من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها ومهما طال الزمن ومهما تلقى من الدعم المادي والعسكري من روسيا وإيران، فالمعركة أصبحت معركة حياة أو موت والغلبة فيها للجانب الأقوى نفسيا ومعنويا وهو هنا معسكر الثورة.

أما ما يدعو للتشاؤم فعلا فهو واقع الحال السياسي الذي يلف بالثورة وبشكل خاص ما تعيشه المعارضة السياسية من تناقضات وما تتعرض له الثورة في الداخل لمحاولات الاحتواء والتشويه.

كان من المفروض أن يكون تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة بداية مرحلة جديدة في العمل السياسي ينبني على مأسسة هذا الائتلاف وجمعه لكل القوى الوطنية والسياسية المؤيدة للثورة ولقوى الحراك الثوري التي تخوض المعارك اليومية على أرض الواقع، وأن تكون للائتلاف هياكل سياسية واضحة المهام والوسائل وبرامج عمل محددة في الزمان والمكان وأهداف مرحلية لقيادة وإدارة المدن والبلدات والقرى المحررة وكيفية إدارة المعركة لانتزاع ماتبقى في أيدي النظام وقواته من مناطق ومدن ومواقع، لكن يبدو أن أي شيء من هذا القبيل لم يحصل بعد، والصورة التي يعطيها الائتلاف لمن يراقب عمله، صورة شاحبة إن لم تكن سوداوية ولا تبشر بالكثير من الخير، والطريقة التي تم فيها اختيار السيد هيتو كرئيس للحكومة (انتقالية أم مؤقتة، أم مرحلية) لم تكن لتسعد كثيرا أنصار الثورة ممن يؤمنون بالديمقراطية وبالتعددية وبدولة مدنية تمثل كل أطياف المجتمع السوري وقواه السياسية الحية.

موقف الجيش السوري الحر من تشكيل تلك الحكومة وبيانه الأخير حول الإخوان المسلمين ينبئ هو الآخر بصراع جنيني على السلطة لن يتأخر أن يكبر ويتطور ويصبح أكثر خطورة وتهديدا لمستقبل الثورة.

تسليم سفارة الجمهورية العربية السورية للمعارضة وتسميتها بسفارة الائتلاف كانت خطوة صادمة وغير محسوبة النتائج وأظهرت أن من يديرون أمور ذلك الائتلاف لا يملكون من أمرهم شيئا والغريب أن يكون السيد معاذ الخطيب رغم ذكائه قد قبل أو مرر تلك المخالفة الكبيرة لكل ماهو قانوني ودبلوماسي بهذا الخصوص.

ظهور وتطور التنظيمات (الجهادية) وعلى رأسها جبهة النصرة وما يتردد كثيرا عن تعاملها مع الناس في المناطق المحررة ومحاولة فرضهم لمفهومهم الخاص لحكم الشريعة الإسلامية وتضييقهم على القوى والتيارات المدنية والديمقراطية والعلمانية وانتشار ظاهرة الخطف والنهب والسرقة وظهور أمراء الحرب الصغار منهم والكبار، كلها علامات انحراف عن الأهداف التي انطلقت الثورة من أجلها وقدمت في سبيلها حتى الآن مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين وملايين المهجرين، وتلك ظواهر لا يمكن أن تؤدي إلى قيام الدولة المأمولة التي تحدثنا عنها كثيرا.

تناسل المجالس (الوطنية) التي تقام على أساس عرقي قومي أو مذهبي أو ديني ظاهرة مقلقة بكل المقاييس، حيث يبدو أن هناك سباقا نحو انتزاع حقوق معينة لكل القوميات والإثنيات والطوائف والمذاهب والأديان على طريقة تقاسم البلد وتقسيمه مما يهدد بنيته الجغرافية والإجتماعية والسلم المدني فيه ويدخله في مرحلة من التفكك والصراعات لا أول لها ولا آخر.

لذا فإنه من الأمور المستعجلة استدراك تلك المخاطر المحدقة بالثورة وبمستقبل سورية الوطن والشعب وأن تجتمع كل القوى الوطنية المخلصة وتتفق على ميثاق شرف وعلى برنامج عمل يضمن للثورة استمراريتها حتى النصر ويضمن لسورية وحدتها الترابية والاجتماعية وأن تكون الدولة المستقبلية دولة مدنية ديمقراطية تعددية لكل أبنائها من كل القوميات والأديان والطوائف والمذاهب، دولة العدل والمساواة، دولة الحق والقانون وحرية الفكر والرأي والاختيار وهذا لن يتم إلا حين يضم الائتلاف كل القوى والأحزاب والتيارات الوطنية وقوى الثورة الفاعلة على الأرض وأن يمارس عملا ديمقراطيا في داخله لا يسمح بهيمنة فئة أو تيار أو عناصر على حساب الآخرين، وإن لم يفعل ذلك فلا بد من تشكيل تيار وطني عريض لتلك القوى ينقذ الثورة والبلد مما يحيق بها من مخاطر.