شيء عن الواقع الراهن.. والحلول السياسية

عقاب يحيى

ـ بعضهم يرى لمجرد طرح مبادرة سياسية أنها حوار وتفاوض مع النظام، وهذا من المحرمات ..

ـ هناك من يعتقد جازماً أننا على أبواب النصر الحاسم بضربات الثورة والجيش الحر، وأنها مسألة وقت لا أكثر..وبالتالي يجرّم أي طرح سياسي مهما كان جنسه، ومضمونه، وقد يتهم أصحابه بالخيانة العظمى.. وأكثر : التوعد بالثأر.... وغيره ..

ـ وهناك من يؤمن أن حسم الوضع في سورية سيطول ويطول بالنظر إلى موازين القوى على الأرض، وموقع، وتحالفات كلا الطرفين :

ـ النظام المجرم ما يزال متماسكاً ببنيته الرئيسة، ونعني بها قواته العسكرية والأمنية، مضاقاً إليها جيش لجب من المؤيدين المنخرطين في صفوف القتلة من الشبيحة واللجان الشعبية وغيرها. ولئن كان الثقل الرئيس في هؤلاء ينتمي للطائفة العلوية، فلا يقتصر الأمر عليهم فقط، بل هناك في القاعدة التي ما زالت مؤيدة للنظام المجرم فئات اجتماعية من مختلف المكونات : السنية والمسيحية والدرزية والإسماعيلية وغيرها، وعديدها مستعد للقتال معه لأسباب متشابكة . وهناك الكتلة الصامتة التي ما تزال كبيرة نسبياً التي تعيش حالة من الترقب والخوف والتوجس، ومن الانتهازية : انتظاراً لرجوح كفة ما في الصراع .

يضاف إلى ذلك حلفاء النظام الأقوياء الذين يدعمونه بكل سبل القوة والقتل والدعم السياسي واللوجستي وغيره، ونخصّ في مقدمهم إيران النظام الذي يتعامل مع الطغمة من منظور يتجاوز المعهود في تحالفات القوى والدول إلى ما يمكن اعتباره علاقة عضوية، خاصة وأن نظام الطغمة مثل جسر العبور القوي لمشروع إيران القومي ـ المذهبي إلى عموم المنطقة، ناهينا عن الدور الذي يمكن أن يلعبه حزب الله، ومالكي العراق. وهناك الدعم الدعم الروسي بالسلاح والسياسة، وجملة من العوامل التي تقف في صفّ نظام الطغمة..

ـ بينما نجد ـ في الطرف المقابل ـ الثورة تذبذباً وميوعة ومطمطة في المواقف الدولية، خاصة لدى الولايات المتحدة، ومن خلفها مجمل التأثير الصهيوني .

ـ اصدقاء سورية، على تباين مواقفهم، بين المؤيد نسبياً لحق الشعب السوري في الحرية، وإسقاط النظام، وبين من يدور في حلقات الحل التفاوضي المتناوب الموجات والذي لم يرتفع إلى سقف الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به المعارضة السورية، ونخصّ به : الاتفاق على تنحية الأسد وكبار رموز القتل، وإبعادهم نهائياً عن أي حخل تفاوضي.. لفتح الطريق ـ عندها ـ لمرحلة انتقالية يمكن الاتفاق عليها .

ـ الولايات المتحدة، ولأسباب متداخلة ـ معروفة ـ لا يضيرها الذي يجري في سورية من قتل وجرائم إبادة وتدمير وخراب ونسف لمؤسسات الدولة السورية وبنيانها، ولا الشحن الطائفي المفتوح على احتمالات الحرب المذهبية، ولا أفكار التقسيم الجغرافي والسياسي والكانتونمي لبلدنا الحبيب.. آخذين بالاعتبار جوهر الفكر الصهيوني وتأثيره في هذا الميدان.. لذلك نرى هذه الميوعة المتناقضة في المواقف.. خاصة ما يتعلق بقصة حظر السلاح لمنح المعارضة والجيش الحر الوسائل التي ترجّح ميزان القوى بما يسمح بالحسم العسكري، وليس بعمليات استنزافية طويلة المدى..

ـ هنا يجب الأخذ بالاعتبار بعض التطورات الملحوظة في مواقف بعض الدول العربية بفتح مجال التسليح، ودخولها على الخط ضمن ظروف شديدة التعقيد، وكذا الأمر فيما يخص الموقف الفرنسي والبريطاني المتقدمين ـ نسبياً ـ على سواهما حول السلاح وتعديل ميزان القوى على الأرض.. بغية فرض حل سياسي ينصاع له نظام الطغمة مُجبراً .

ـ عبر هذه المرجحة السياسية التي تُمارس على الثورة تتكرر الذرائع وتتنوع، ثم تعود للمكوث عند شعارات باتت مثل قميص عثمان.. فحجة حماية الأقليا حالة ملغومة تماماً ويراد منها ممارسة مزيد من الضغط على قوى المعارضة لمزيد من التنصل والمناورة، في حين يعلم أصحاب تلك الدعوات أنه ما من ضمانات لشيء سوى الشعب ودستوره، وأن دولة المواطنة المتساوية . الدولة المدنية الديمقراطية وحدها الضامن، ووحدها من يحقق العدل والمساواة وليست اية اتفاقات يمكن أن يأكلها ريح عادي، وأن ذريعة الإرهاب، وإن كانت ظاهرة ولدتها عوامل مختلفة، لم يكن الإحجام والتسويف في دعم الجيش الحر ببعيد عن تقويتها، وبروزها، ناهينا عن دور الأطراف المختلفة في توريد السلاح والمال والإغاثة لجهات مختلفة تمنع التوحيد، وتؤدي لمزيد الشرذمة، وتناقض لوحة العمل المسلح ومرجعياته.. ومثلها قصة الأسلحة الكيماوية التي تهبط وترتفع وتائر استخدامها حسب سوق التكتيك، وما يحمله من أغراض ليست لصالح دعم الثورة .

ـ لهذه الأسباب المختلفة.. يبقى الحل السياسي مخرجاً ممكناً.. يجب تهيئة مقوماته وشروطه .

ـ الحل السياسي، أو التفاوضي واضح المضمون والهدف : تنحية رأس النظام وكبار رموزه شرطاً لا يمكن التنازل عنه، ومدخلاً وحيداً للقبول... وهعندها.. عنها فقط يمكن للعملية التفاوضية أن تنطلق لتأمين عملية الانتقال المضمون للدولة الديمقراطية..

أما الهدف فجلي ايضاً : إنهاء الاستبداد بكل أسسه ورموزه وآثاره، وبناء النظام الديمقراطي التعددي.. وتطبيق قانون المصالحة والسلم الأهلي الذي يمنع الثأر والاجتثاث والانتقام، ويتعامل مع جميع فئات الشعب على أساس المواطنة والشراكة في وطن واحد .

ـ حاجة قوى المعارضة لمبادرة سياسية واضحة باتت أكثر من ضرورية تحقيقا لمجموعة من الأهداف. ولن يضير المعارضة المنطلقة من مسؤولياتها تجاه شعبها ووطنها أن تتقدّم بها لجميع الأطراف وفق الثوابت المتفق عليها، والعمل مع الأصدقاء لتبنيها ..وتلبية شرطها الرئيس ..