فقه المعاملات الإنسانية

فقه المعاملات الإنسانية

عزة مختار

[email protected]

لا يستطيع أحد أن يحكم علي الأمور دون تجربة خاصة ، أو أن يعيش تجارب الآخرين ثم يتجرد تماما من أي هوي كي يستطيع أن يحكم علي أمر ما .

ويبدو أن الله عز وجل لم يخلقنا علي هيئة واحدة وأقصد بالهيئة الاتجاه النفسي والاستعداد للتحمل والميول القلبية والعقلية وكل ما هو من مكونات الإنسانية .

فمنا من يطيق حياة معينة ربما لا يطيقها الآخر بل يتعجب كيف يحتملها ، وذلك ما ينم عن قدرة الخالق وروعة الخلقة ، وإذا طبقنا هذا الكلام علي ما ذكرته في البداية فلن تصح أن تأخذ تجربة إنسانية وتعممها علي الجميع مهما كانت درجة اكتمال عقلية صاحب التجربة ومهما كانت درجة ثقتنا به وذلك لشيء هام وهو عدم تطابق النفوس البشرية فهي ليست منسوخة نسخ كربونية .

وقد تعلمت من ذلك ألا أحكم علي المشكلات إلا علي حدة , فكل إنسان له خصوصيته وله ما يحيط به من ظروف حتى لو انطبقت علي ظروف الآخر فالجوهر ليس واحد ومن ذلك فالحل ليس بالضرورة أن يكون واحد  .

ولذلك فعلي المتعاملين مع القضايا الإنسانية مثل التربية والإصلاح الأسري والمؤسسات التعليمية التي تقوم بتقديم خدمة لفئات معينة ، أن يكونوا ملمين إلماما كافيا بتلك المعاني ، فالبشر ليسوا آلات متشابهة يوضع لها قانون واحد ويتم توجيههم بنفس الطريقة ، ولو أعطي الطبيب نفس الدواء لكل المرضي لتدهور معظمهم ـ إن لم تنتهي حياتهم ـ ، وقد راعي المنهج الرباني في التشريع تلك الفروق الإنسانية بوضوح ، فقد تعددت العبادات وتعددت أبواب القربى من الله عز وجل ـ وأقصد هنا النوافل ـ فمن الناس من يحب الاقتراب من باب قيام الليل ومنهم من يتيسر له باب الإنفاق ، وهناك الذين يتوقون إلي الجهاد وهكذا ،،، وخطاب النبي صلي الله عليه وسلم الذي وجهه لقومه يتضح فيه التنوع والاختلاف في التوجيه من شخص لآخر ، بل متنوع في التناول لنفس الشخص في أوقات ومناسبات مختلفة وتلك براعة لم يتوصل لها علماء النفس إلا  متأخرا ،وهي أن الإنسان يمكن أن تختلف طبيعته تبعا للتأثيرات الواقعة عليه ، ومن التاريخ تتضح لنا تلك الرؤية في موقفين من حياة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا ، ففي يوم وفاة سيد المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم نجد تضاربا شديدا بين شخصيتي أبو بكر وعمر ، أبو بكر الإنسان الرقيق الذي ما استطاع أن يصلا بدلا من حبيبه محمد عليه الصلاة والسلام واختنق بالبكاء وعمر الصلب الذي أشار علي المصطفي بقتل أسري بدر ، نجد ذلك الإنسان الرقيق القلب يقف كالأسد المغوار ثابتا قويا لا يهتز ويقول من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، بينما في الجانب الآخر عمر القوي الشامخ نجده وقد خارت قواه بل ويهدد من يقول بأن الرسول قد مات ، وموقف آخر يوم حروب الردة نجد أن طبيعة أبي بكر قد تغيرت تماما فيتبني الموقف الشديد مع المرتدين بينما عمر القوي الحازم يتبني المهادنة والتريث في ذات الوقت الذي يعمل كل منهما في مصلحة الإسلام بكل كيانه ، إن النفس الإنسانية للمتعاملين معها والمهتمين برقيها لها مفاتيح ومداخل يجب التعرف عليها وفقهها كي تصل بها لبر الأمان وما يراد لها من رب العالمين ، وللحديث بقية ...