(إسرائيل) وحلم الاعتراف بكيانها!

د.مصطفى يوسف اللداوي

د.مصطفى يوسف اللداوي

[email protected]

لم يكن الكيان الصهيوني يحلم يوماً باعتراف الدول العربية والإسلامية بكيانه السياسي، وقد كان طموح قادته التاريخيين أن يشق كيانهمطريقه إلى الاعتراف وينال "الشرعية" العربية والإسلامية قبل الدولية، ذلك أنهم يُدركون أنهم كيانٌ لقيطٌ غاصبٌ ومحتل، وأنه غير شرعي وإن حاز على الاعتراف الدولي، ونال الأغلبية في مجلس الأمن الدولي، وأصبحت أغلب دول العالم تعترف به..!!

إلا أن حُلمهم بالاعتراف العربي والإسـلامي يختلف؛ فهو اعتراف أصحاب الشـأن وأهل الحق، وهو تنازلٌ منهم وقبول برضىً وموافقـة، وهو عندهم الأهم ومناط الأمل والرجاء؛ إذ ما قيمـة اعتراف من لا دخل لـه ولا شـأن لـه بـه، ممن يبعدون عنـه جغرافياً ولا يرتبطون بـه بمصلحـة، ولا ينتفعون منـه ولا يلحقهم منـه أذى ولا ضرر، فما قيمـة اعتراف كل دول العالم إذا أنكره جيرانـه ومحيطـه، ورفضتـه المنطقـة وأهلها، ونازعـه أصحابُ الأرضِ والوطنٍ الشـرعيـةَ والوجود..!!؟؟

بذل الإسرائيليون وحلفاؤهم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، جهوداً مضنية لإقناع الدول العربية والإسلامية بالإعتراف بالكيان الصهيوني، والقبول بها عضواً في المجتمع الدولي، وحرِصت الحكومات الإسرائيلية على مخاطبة الحكومات العربية بكل السُبل، وحضّتها على الاعتراف بها، والجلوس معها على طاولة المفاوضات، وطلبت من حلفائها الأوروبيين والولايات المتحدة الأمريكية الضغط على الحكومات العربية للاعتراف بها، والجلوس معها على طاولة المفاوضات، ونجحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إحداث اختراقٍ نسبي مع بعض الدول العربية، وقد شـكّل اعتراف بعضها بدولـة (إسـرائيل) نصراً كبيراً لها، ونقلـةً نوعيـة ما كانت لتصل إليها بالحروب التي سـبقت، فعملت بناءً عليه على توسيع دائرة الاعترافات العربية والإسلامية بها، اعتقاداً منها أن اعترافهم بها سيقود إلى اعتراف شعوبهم وإقرارهم "بشرعية" وجود دولة (إسرائيل)، وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء حالة الحرب والعداء القائمة بينهما..!!

لكن الاعتراف الأكبر والنصر المؤزر الذي حققته دولة (إسرائيل) على العرب والفلسطينيين، كان في اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها ضمن أوراق ومخاطبات إتفاقية (أوسلو) "للسلام"، حيث شكل اعتراف المنظمة انعطافة كبيرة في الأحلام الإسرائيلية، وحُلماً وأملاً عملت دولة (إسرائيل) لأجله كثيراً، واعتمدت عليه كونه اعتراف أصحاب القضية وممثلي الشعب، في اختراق وإضعاف الدول العربية والإسلامية، التي تتابع اعترافها، وتوالت علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية، ونجحت دولة (إسرائيل) بالفعل في بناء شبكة علاقاتٍ عربية مغاربية وخليجية ومصرية وأردنية، وذلك استناداً إلى اعتراف منظمة التحرير الفسطينية بها..!!

اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية في أفضل تفسيراته بالكيان الصهيوني، هو إقرارٌ له بشرعية الأرض التي اغتصبها واحتلها وبنى عليها مستوطناته ومعسكراته، وأسكن فيها مهاجريه وأبناءه، وهي مساحةٌ تُشكل 78% من أرض فلسطين التاريخية، والاعترافُ قبولٌ واضحٌ وصريح بدولةٍ فلسطينية فوق مساحةٍ لا تزيد عن 22% من مساحة فلسطين إلى جانب دولة (إسرائيل)، وذلك بموجب الحدود التي نشأت قبل حرب العام 1967، وهو تفريطٌ كبير بالحقوق وخيانةٌ عظيمة للعهود والأمانات.

ولكن الحكومات الإسرائيلية التي كانت تحلم بهذا الاعتراف والتنازل، لم تكتفِ باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية، وشرعت تُطالب القوى الفلسطينية الأخرى بأن تعترف بدورها بشرعية كيانهم، وأخذت تُمارس عليهم ذات الضغوط التي مارستها على المنظمة، وعمدت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبا الغربية إلى تصنيف القوى والمنظمات التي لا تعترف بدولة (إسرائيل) بأنها "قوىً إرهابية"، وفرضت عليها طوقاً وحصاراً، في الوقت الذي لا تُمارس فيه أي ضغطٍ على الحكومات الإسرائيلية، بل تسكت وقد تُشجع ممارساتها ضد الفلسطينيين، وتقف صامتة إزاء اعتداءاتها وحروبها عليهم..!!

تشـعر دولـة (إسـرائيل) أنها حققت جزءً كبيراً من هدفها وحُلمها القديم، ونجحت نسـبياً في إخضاع أصحاب الحق، ونالت من بعضهم تنازلاً وتسـليماً واعترافاً وقبولاً، فانتقلت إلى مرحلـةٍ جديدة من الأهداف والغايات، ضمن سـياسـتها القديمـة التي لا تتوقف ولا تشـبع؛ فبدأت بمطالبـة الفلسـطينيين بالاعتراف بيهوديـة كيانهم، وأنه كيانٌ خاص باليهود فقط، فلا ينبغي أن يُسـاكنهم فيـه عربيٌ مسـلمٌ أو مسـيحي، بما يعني تهجير من صمد فيـه من الفلسـطينيين، وطردهم وترحيلهم ضمن مشـاريع تهجير (ترانسـفير) قديمـةٍ جديدة، وبدأت الدبلوماسـيـة الإسـرائيليـة في حشـد أكبر تأييد دولي لمطلبها الجديد وشـرطها المسـبق للفلسـطينيين: وهو الاعتراف بيهوديـة كيانهم..!!

ما كان لدولة (إسرائيل) أن تُحقق حُلمها القديم، وأن تفكر في حُلمها الجديد لولا أن منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بها، وسلَّمت لها وصدقت قادتها، فعلى القيادة الفلسطينية أن تعود إلى الأصول والثوابت، وأن تتراجع عما أقدمت عليه، إذ أن اعترافها باطل، فهي لا تملك هذا الحق، ولا يوجد فلسطيني يفوضها التفاوض باسمه أو التنازل عن حقه، ولتعلم أن إنكار وجود دولة (إسرائيل) وعدم الاعتراف بها سلاح، فلا نُسلم سلاحنا، ولا نتنازل عن حقوقنا، ولا نُفرط للعدو بثوابتنا الوطنية، التي هي عُدتنا وعقيدتنا، وهي أمانة الشعب والأجيال في أعناقنا، فلا نخون ولا نُفرط، ولكن نعود ونُصوب، ونسحب ما قدمنا، ونتراجع عما أعطينا، فهذا هو الحق وغيره هو الضلال والتيه والضياع.