دي ميستورا جزء من المشكلة

م. عبد الله زيزان

باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

الاستهتار بالقضية السورية

لم يكن مفاجئاً تصريح المبعوث الأممي إلى سورية "ستيفان دي ميستورا" في 13 من شباط الحالي بأن الأسد "جزء من الحل الرامي لتقليل العنف"، فقد كانت كل المقدمات السابقة من تصريحات ومبادرات ستؤدي إلى هذه النتيجة، فقد سعى منذ استلامه الملف السوري بإلقاء حبال الإنقاذ لنظام الأسد المتهالك بمبادرات ظاهرها حقن الدماء وباطنها مساعدة الأسد وتمكينه من استعادة زمام الأمر وكسب الوقت...

لقد جاءت تصريحات ميستورا بالتزامن مع البراميل والصواريخ التي تنهار على مدينة دوما، موقعة مئات الشهداء والجرحى من المدنيين، لتكون هذه التصريحات بمثابة الاستخفاف بدماء هؤلاء الأبرياء، واستخفافاً بمئات آلاف الشهداء التي ارتقوا على مدى سنوات الثورة الأربع، واستهتاراً بعذابات المهجّرين والجرحى، وبآلام المحاصرين الجوعى...

الدعم الغربي للأسد

رغم محاولات ميستورا التخفيف من وقع تصريحاته الفجة، ورغم اتصاله برئيس الائتلاف السوري لتوضيح مغزى كلماته، إلا أنّ ما صدر عنه لا يمكن فهمه إلا في سياق الدعم الغربي الخفي لنظام الأسد، حيث أن التصريحات جاءت من مسؤول على رأس عمله، ولم تأت من مسؤول سابق كما جرت العادة في التسريبات، أو التصريحات التي يراد منها قياس ردة الفعل حول قضية ما...

وقد جاءت التصريحات الفرنسية والأمريكية التي تؤكد على ضرورة تنحي الأسد في أي حل مستقبلي للتخفيف من وقع التصريح الصادم للمبعوث الأممي، إلا أنّ الواقع العملي على الأرض يشير إلى أنّ الإدارة الأمريكية وكذا الدول الغربية لا زالت ترى في الأسد مصلحة استراتيجية، وكنزاً لا يجب الاستغناء عنه في هذه المرحلة على الأقل، لذلك فإن كل تلك التصريحات لا تساوي شيئاً، وقد نطق المبعوث بما تحيكه أنفسهم في الدوائر المغلقة...

الإرهاب المنظم

الواقع العملي لكثير ممن يدعون صداقة الشعب السوري يشير بأنهم قد تخلوا عن هذا الشعب، فقد تغيرت الأولويات الغربية لمصلحة محاربة ما يسمى الإرهاب، فقد شيّد تنظيم البغدادي المظلة المطلوبة لحرف مسار القضية السورية، واستطاع هذا التنظيم إيجاد الشماعة للمجتمع الدولي ليلقي عليها تخاذله المخزي تجاه المصائب التي تحل في سورية، ولتتحول القضية إلى محاربة هذا التنظيم الأكثر وحشية من النظام السوري كما يحاول الإعلام الترويج له، مما جعل ميستورا يتجرأ ولأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية ليقول بأن الأسد جزء من الحل، ليطابق كلامه الأماني الإيرانية والروسية..

اليوم وبعد خمسة أيام فقط من تصريحات المبعوث المشؤومة أقدم النظام على قتل عائلة كاملة في ريف حلب الشمالي ذبحاً بالسكاكين تماماً كما يفعل تنظيم البغدادي، بل وبصورة أشد إجراماً فقد تم ذبح 21 فرداً من عائلة واحدة، مع فارق أن هؤلاء ذبحوا بعيداً عن الكاميرات الاحترافية، وعلى يد ميليشيات طائفية قادمة من شتى بقاع العالم، من أفغانستان مروراً بإيران وصولاً إلى العراق ولبنان..

لكن وحشية النظام ومرتزقته لا يبدو أنها مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية، فلا أحد يتحدث عن الإرهاب المنظم الذي يقوم به النظام وحلفاؤه، وربما لن يحظى هؤلاء الضحايا حتى بخبر على شريط فضائية غربية قبل انتهاء نشرات الأخبار، لكن مقتل نفس العدد من الأقباط المصريين على يد عصابات البغدادي يستوجب تغطية كاملة للحدث على كل وسائل الإعلام...

ميستورا جزء من المشكلة

لا شك بأنّ تصريحات المبعوث الأممي لا يمكن تفسيرها إلا بأحد حالتين، فهي إما أن تأتي دعماً متعمداً للنظام السوري، ووقوفاً إلى جانبه، وبالتالي بات ميستورا طرفاً من أطراف القضية وعليه لا يمكن أن يكون مبعوثاً محايداً لأطراف الصراع، وإما أنّ تأتي من عدم فهم هذا المبعوث لأبعاد المشكلة السورية، وجهلاً منه لطبيعة الصراع فيها، وفي كلتا الحالتين، فإن دي ميستورا بات جزءاً من المشكلة في القضية السورية، ولا يمكن التعامل معه مستقبلاً مهما حاول من تقديم المبررات، وسوق الأكاذيب...

وبناء على ذلك لا ينبغي لأي جهة ثورية التعامل مع هذا المبعوث بعد أن بات جزءاً حقيقياً من المشكلة، وسيكون أي تعامل مع هذا المبعوث بمثابة إقرار بما جاء به، ورضاً بحديثه عن بقاء الأسد كجزء من الحل في سورية، وهنا يسجل لمجلس قيادة الثورة السورية موقفه الرافض للقاء بالمبعوث، حيث أكد المجلس ببيان له الأحد الماضي 15 من شباط الحالي رفضه لقاء المبعوث الأممي على خلفية تصريحاته الأخيرة...

والواقع أنّ المطلوب ليس استبدال المبعوث الحالي بآخر جديد، بل المطلوب سياسات واضحة وخطوات عملية توقف نزيف الدم السوري، وتوقف تدفق شذاذ الآفاق إلى الداخل السوري، سواء مرتزقة إيران والنظام السوري، أو أفراد عصابة البغدادي المرتبطين بدون أدنى شك بأجهزة مخابرات إقليمية وعالمية...

وسيبقى ما يجري في سورية وصمة عار في جبينة الحضارة الغربية، لن يمحوها التاريخ أبداً ما لم يتدارك الغرب الأزمة الأخلاقية التي يعيشونها، ويحاولوا إنقاذ شيء من إنسانيتهم المزيفة بوقف آلة القتل والتدمير في البلاد، ولا نظن ذلك منهم، ولن يكون النصر إلا بأظافر السوريين، التي ستحك جلودنا وتسلخ جلود أعدائنا بإذن الله...