مصر وإيران بعد ربيع العرب

مصر وإيران بعد ربيع العرب

ياسر الزعاترة

منذ الحرب العراقية الإيرانية، لم تكن العلاقة بين إيران والعالم العربي متوترة كما هي عليه الآن، ليس فقط على صعيد العلاقات الرسمية التي تراوح بين مستويات مختلفة، بل وهو الأهم على صعيد الشارع العربي الذي لم يكن متوترا في يوم من الأيام حيال إيران كما هو الآن، طبعا باستثناء غالبية الشيعة الذين يصطفون في مربعها السياسي.

مؤخرا ثار لغط كبير حول زيارة الرئيس الإيراني نجاد لمصر في سياق حضوره لمؤتمر قمة التعاون الإسلامي في القاهرة، وقبل ذلك زيارة وزير الخارجية صالحي للقاهرة ومكوثه فيها ثلاثة أيام.

سبب اللغط هو أن زيارة نجاد للقاهرة هي الأولى منذ الثورة عام 79 (لعل أسخف ما سمعناه على خلفية الزيارة هو أن الأخير لم يدخل مصر أيام مبارك، ودخلها أيام مرسي، متجاهلين أن استقباله يحتاج إذنا من واشنطن لم يكن من السهل الحصول عليه). أما الأهم فيتمثل في الشرخ الهائل في العلاقة بين إيران وبين الشارع الإسلامي كما أرنا من قبل. وكان جدل مماثل قد ثار لدى مشاركة الرئيس مرسي في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران، والتي قال فيها كلاما أثار الإيرانيين ودفعهم إلى تغيير النص خلال الترجمة، في فضيحة من العيار الثقيل.

ما ينبغي أن يُقال ابتداءً هو أن معضلة الموقف الإيراني الداعم لبشار الأسد لا زالت تلقي بظلال ثقيلة على علاقة إيران بغالبية الأمة (السنية)، ولا نقول الطائفة السنية، لأن السنّة ليسوا طائفة، ولم ينظروا لأنفسهم إلا على أنهم الأمة التي تحتضن الجميع. واللافت أن إيران لا تبدو في وارد تغيير سياستها في سوريا على نحو يقلل من حجم الاحتقان، بل تذهب بعيدا في دعم النظام وتبني سياساته رغم حديثها الممل عن الحل السياسي الذي لا يعني غير تجميل وجه النظام، في وقت لا يرى فيه الناس حلا للمعضلة بوجود بشار في السلطة.

مؤكد أن القضية السورية هي نقطة الاشتباك الأكبر بين مصر وإيران، لكنها ليست كل شيء، إذ هناك ملفات أخرى، في مقدمتها الملف العراقي، ذلك أن مصر التي تتهيأ لاستعادة دورها وحضورها كقائد لركب العرب، لا يمكن أن تقبل بحال نظام الهيمنة الإيرانية على العراق، وهي لا بد لها أن تعمل من أجل وضع سياسي متوازن فيه، يأخذ في الاعتبار دور العرب السنة كمكون أساسي، من دون الافتئات على حق الشيعة كمكون رئيس آخر لا بد أن يأخذ دوره وحجمه أيضا في عراق موحد بعيدا عن التبعية لإيران.

مصر أيضا لن تقبل بكل لعبة التمدد والهيمنة التي أدمنتها إيران في المنطقة مستغلة غياب مصر بقيادة مبارك؛ من لبنان إلى تدخلاتها في الساحة الفلسطينية التي تتجاوز دعم المقاومة ضد الاحتلال. ولا يقل أهمية عن ذلك كله محاولات إيران إحداث اختراقات في الجسم الخليجي، فضلا عن تدخلات أخرى تعبث بوحدة اليمن.

المعضلة أن فوز الإسلاميين في مصر بقيادة مصر قد جاء بينما كان الملف السوري مشتعلا، ما جعل إمكانية التقارب مع إيران بالغة الصعوبة، والأسوأ أن الأخيرة لم تبد أدنى ارتياح لفوز الإخوان، بل تعاملت معه بشكل سلبي، إذ لم تدعم أحد خصوم مرسي في الانتخابات (صباحي) فقط، بل واصلت دعم لعبة الانقلاب عليه، ولا زال هذا حالها إلى الآن، بعيدا عن اللغة الدبلوماسية والابتسامات.

شيخ الأزهر لخص قضايا الخلاف، ولم يكن تلخيصه ذاك بعيدا عن قناعات الرئاسة والإخوان، ولو كانوا يريدون غير ذلك لما وافقوا على مبدأ لقاء نجاد، وقبله صالحي مع شيخ الأزهر، بل كان بوسعهم رفض الزيارة أصلا.

العلاقة بين تركيا ومصر تبدو مثيرة لأعصاب قادة إيران، فتركيا اليوم، وبعيدا عن العلاقات التجارية المزدهرة بين البلدين (لمصلحة كليهما) هي العدو الأهم بالنسبة لإيران، والعلاقة المصرية مع أنقرة لا يمكن أن تكون مريحة لطهران، ولا نبالغ إذا قلنا إن الجزء الأهم في المعركة داخل سوريا هي بين إيران وتركيا، بدليل أن إيران هي الداعم الأكبر للنظام، فيما تركيا هي الداعم الأكبر للمعارضة، وعموما يؤكد المشهد العام أن البعد المذهبي قد حضر بقوة في العلاقة بين مصر وتركيا مقابل المحور المذهبي الآخر كما تمثله إيران وعراق المالكي مع هيمنة لحزب الله على لبنان.

ليس بوسع مصر والحالة هذه أن تجامل إيران كثيرا، فضلا عن أن تقبل قرضا منها (عرضه نجاد) يشي بقدر من الحاجة، بل ليس بوسعها أن تقبل لعبة تمددها في المنطقة بأي حال، فمصر تسعى لاستعادة دورها وحضورها كقائدة للعرب، وكمحور ثالث إلى جانب إيران وتركيا ينبغي أن يكون الأهم في الإقليم، أكان بلغة الجغرافيا أم الإمكانات على مختلف الأصعدة.

المعضلة أن هذا التطور في الوضع لا زال يصطدم بحالة عدم الاستقرار في الداخل المصري، وهي حالة لا تبدو أصابع إيران بعيدة عنها، لكن الأسوأ أن عربا آخرين يبدون أكثر تأثيرا فيها، بل ربما أصحاب التأثير الأكبر مع الأسف.