غرابة في غير موقعها

غرابة في غير موقعها

د. سماح هدايا

أمران غريبان في مشهد المعارضة السورية:

الأول هو انزلاق الصوت السوري إلى مهاوي الصمت ليصر على منادة العالم، وبالتحديد تخت السيادة الغربيّة في أن يتدخل لإنقاذ الشعب السوري وإغاثة سوريا؟ والتساؤل المرتبط بالأمر الأول هو: متى كانت أمريكا معينا للعرب حتى تعيينا في ثورتنا على نظام الأسد الطاغية ؟ ماذا فعلت في العراق؟ وماذا فعلت لغزة وفلسطين؟ ومتى كانت أوروربا معينا للعرب؟ ماذا فعلت في حقبة استعمارها لبلادنا؟ وماذا فعلت في دعم أمريكا؟ وماذا يفعل الإعلام العالمي الآن في التعاطي مع ثورتنا، وفي التعاطي مع ثورة مصر؟

 أمريكا تورطت في قهر الضغفاء في افغانستان. وهاهي فرنسا تتورط في قهر الضعفاء في مالي..كأننا لا نرى أن هذا العالم الذي ينطحنا بالديمقراطية وحقوق الإنسان هو الذي يشرعن الدكتاتوريات العربية مادامت في خدمته وهو الذي يحارب المجاهدين ماداموا خارجين عليه يرفضون التبعية له... ماحصل من تدخل عسكري للناتو في ليبيا كان ضرورة للغرب ومغامرة سهلة وليس لها مضاعفات سلبية؛ لذلك تخلوا جميعا عن فأرهم الرضيع القذافي حتى لا يخسروا نفوذهم هناك. لكن مازال لهم في حيوانهم الأسدي بعض حاجة. سيدعمونه. ولن يتخلوا عنه إلا عند انقطاع أنفاسه الأخيرة. آن لمن لا يعي هذا الأمر أن يعيه. نحن بحاجة إلى أنفسنا وقوتنا الداخلية وقوة سواعدنا ومنهجة عملنا وروحيته المخلصة لتحقيق النجاح. مانريده فقط هو ان يفسحوا في المجال واسعا وحقيقة عبر الشمال من سوريا وعبر الجنوب لكي تدخل الأسلحة الأقوى وتعمل تحت إمرة شرعية سياسية وطنية. والشعب وحده قادر على تغيير كل الواقع، وليس بحاجة إلى تدخل عسكري

 والثاني هو أن تتكلم بعض أطياف المعارضة السياسية السورية عن إمكانية فتح قنوات حوار في مؤسسة النظام السوري، وبالتحديد مع الذين لم تتورط أيديهم في قتل السوريين...والتساؤل المرتبط بالأمر الثاني: هو ماذا عن رجال المال والقرار والفكر والدولة وعن الرجال الذين يصنعون القرارات والذين دخلوا في عظم النظام والنخاغ الشوكي لسياساته؟ والسؤال الموجه لأطياف المعارضة هذه هو: وماذا تفعل الثورة بهؤلاء المتنفذين الذين كانوا ينهبون الاقتصاد السوري والمجتمع السوري والمؤسسات الحكومية والخاصة ويرسمون خارطة فكره وينهبون المجتمع من خلال القطاع العام والقطاع الخاص وهم لم يسهموا الآن أو من قبل بالقتل المياشر للناس لا بالصواريخ ولا بالقنابل ولا بالمشانق ولا بالسكاكين ولا بالسيوف ولا بالكيماوي ولا بالنيران ولا بالاغتصاب ؟ هم كانوا يحكمون السيطرة على المكاسب في سوريا: على التعليم والبعثات والوظائف والعمل والاقتصاد والثقافية والإغلام والمنابر وعلى المجتمع..؟ هل سنتركهم غدا هكذا وبسهولة ومن دون محاكمة يتقاسمون مع الناس كل شيء بعد أن نهبوا كل شيء؟ أليس في هذا خطر يتهدد الثورة والمجتمع بفلول نظام الظاغية السابق ؟ أليس مطلب إسقاط النظام بكامله هو الأمر الموضوعي والواقعي والوطني حفاظا على مستقبل سوريا الحر العادل حيث دولة العدالة والمواطنة والمساواة؟ هل يمكن للمعارضة أن تقدم رؤيتها العمليّة للشعب بواقعية نجاح الثورة ومن ثم قيام دولة الحرية والقانون والعدالة والمؤسسات وفيها جيوش السوس تنخر بالفساد والنهب من مواقع سيطرتها على المقدرات؟ ربما علينا جميعا أن نستفيد مما يحصل في مصر وغيرها من بلاد الثورات العربية. ليس فقط من ناحية هيمنة الإسلاميين على الحكم ، وقد قيل الكثير الكثير فيه..بل من ناخية الفوضى والثورة المضادة التي يجيش لها فلول النظام القدثم الطاغي الفاسد... إن .من تجذرت أقدامه وأقدام حاشيته في السرقة والتهب والسيطرة على مقدرات الأمة ومصيرها، سوف يظل يسرق وينهب ويسيطر ما لم تقطع الثورات والنظام الجديد كل السيل التي تمكنهم من فعل ما يريدون. ولعل في أولوياتها إسقاظهم كلهم من السلطة بإسقاط النظام الاستبدادي كله ومحاسبتهم وفق القانون العادل، وليس فقط القادة والذين تورطت أيديهم في قتل السوريين في الثورة أو قبل الثورة.

 من المهم جدا في هذين الأمرين أن يكونا واضحين جدا للجميع وللشعب، وأن تكون مواقف المعارضة الرسمية منطقية واقعية نزيهة شفافة، حتى لا تتفكك بنية الثورة في الأطروحات الخيالية المدمرة وفي الصراع على السلطة والنفوذ والقرار واقتناص الفرص والولاءات، وحتى لا تخسر أصوات المعارضين جدارتها الوطنية والأخلاقية وتقذف بعيدا جوهر كرامة الفرد بالنخبوية والسب والنهب المعنوي والمحاصصة والتهديم والتشكيك المتواصل بكل إنجاز.