انقلاب العنف في الصناديق

انقلاب العنف في الصناديق

ياسر الزعاترة

لولا ضخامة «البروباجندا» التي تستخدمها أوساط المعارضة المصرية عبر أكثر من 15 محطة فضائية، ولولا إعلام عربي ينحاز أكثره للمعارضة بأوامر مموليه الذين يكرهون ربيع العرب ويريدون إفشاله، ولولا انضمام إعلام إيران إلى اللعبة كرهاً في مرسي والإخوان بسبب سوريا وخوفاً من صعود مصر وعلاقتها مع تركيا، لولا ذلك كله، لما جشمنا أنفسنا عناء الكتابة من جديد عما يجري في مصر، لاسيَّما أن المشهد بات أكثر من واضح ولا يحتاج إلى توصيف لمن كان له عقل ولا ينحاز ابتداءً وانتهاءً ضد الرئيس والإخوان، وأحيانا ضد عموم الإسلاميين.

لعل أسخف ما يمكن أن تسمعه من سيل الإعلام الهادر إياه، هو حكاية مرسي الدكتاتور، و «أخونة» الدولة، إلى غير ذلك من الكلام المبتذل الذي يأتي في مقدمته الحديث عن عدم وجود إنجازات للحكومة منذ مجيء مرسي، مع أنهم يعلمون تماما أن مبارك قد ترك بلدا مدمرا من الناحية الاقتصادية والخدمية، وأن إصلاح ذلك كله لا يمكن أن يأتي لا في سنة ولا في سنتين، فضلا عن أن يأتي في 7 شهور لم يتنفس فيها الرئيس ولا حكومته أي هواء نقي في ظل قنابل الدخان التي يلقونها في وجهه، والأشواك التي يزرعونها في طريقه.

أية دولة تلك التي «تأخونت»، وهي دولة عميقة، سيحتاج الإخوان حتى لو فازوا مرة أخرى في البرلمان إلى سنوات طويلة قبل أن يبلغوا ضفافها. وما المؤسسة الأمنية والعسكرية سوى مثال على ذلك، وأجزم أنه لو علمت المعارضة أن تلك المؤسسة منحازة إلى جانب الرئيس لاختط رموزها طريقا آخر، لكنهم يعولون بكل بساطة على مزيد من العنف والفوضى، وصولا إلى تشجيع الجيش على الانقلاب كما فعل مع مبارك، ولا يستبعد أن هناك من الداخل والخارج من منحهم إشارات في هذا الاتجاه.

ما يجري لا يقول غير ذلك، فهم يصعِّدون العنف والفوضى؛ يوقعون وثيقة نبذ العنف في المساء، ثم يمارسونه في الصباح. يتركون مقاولات العنف لبلطجية الفلول وموظفي مليارديرات مبارك الفاسدين، ثم يمنحونه الغطاء السياسي. يتحدثون عن احتجاج سلمي، فيما لا نرى غير عنف وفوضى، ولعل ذلك هو سر إحجام الإخوان والإسلاميين عن النزول للشارع، لأنهم يعلمون أن ذلك ما يريده القوم، بحيث يشتبك الناس مع بعضهم البعض ثم يتدخل الجيش، وسيصرخون حينها إن الإخوان قد أطلقوا ميليشياتهم، متجاهلين هم أيضا ميليشيات البلاك بلوك التي تعتدي على الممتلكات العامة، وتشتبك مع رجال الشرطة.

لقد أبهرت الثورة المصرية العالم بسلميتها وحضاريتها، بينما لا نرى هذه الأيام غير المولوتوف والبلطجة والحرق وتدمير الممتلكات، والهجوم المتواصل على القصر الرئاسي، فأية احتجاجات سلمية تلك التي يتحدثون عنها؟!

لقد تركوا كل العنف والفوضى التي حدثت خلال الأيام الماضية، وذهبوا يلطمون الخدود ويشقون الجيوب على واقعة سحل رجل لا يمكن إلا أن يدينها كل الناس، لكنهم يعرفون أن سلوك رجال الأمن لن يتحول إلى سلوك حضاري بين عشية وضحاها، كما يعلمون أن الإخوان هم أكثر من عانى عسف الأمن، فماذا يملك الرئيس غير التحقيق في الموضوع بعد إدانته دون تردد؟!

أما حكاية الدكتاتور هذه، فهي الأسخف على الإطلاق؛ إذ إن جوهر الثورة يتمثل في احتكام الناس إلى الصناديق، والتوافق ليس فرضا إذا كان مستحيلا في بلد مدجج بالتناقضات، وإلا تحول إلى عنوان لهيمنة الأقلية على الأغلبية، وهذا ما لا يمكن أن يكون مقبولا بأي حال.

هل ثمة دكتاتور على وجه الأرض ينادي معارضيه إلى الصناديق بعد أقل من ثلاثة أشهر؟! وهي صناديق ستكون عنوان النزاهة، لأنهم يعلمون أن القضاء ليس مع الإخوان، بل إن أكثره ضدهم كما يبدو، وبالتالي فهو لن يزوِّر الانتخابات لصالحهم بحال.

المشكلة أن الاستفتاء على الدستور قد أكد لقوى المعارضة حجمها الحقيقي في الشارع، وهي تبعا لذلك تسعى لأن تأخذ بالمغالبة ما لا يمكنها أخذه من خلال الصناديق، بل تريد بكل وضوح تنحية الرئيس عبر انقلاب جديد يعيد الوضع إلى ما كان عليه عشية إسقاط مبارك.

ليس لدى الإخوان مانع في مناقشة البنود المختلف عليها في الدستور لاحقا، لكن الطرف الآخر يريد حوارا يسبقه استسلام، والحوار الجاد بنظرهم هو الذي يعلن الرئيس قبله الموافقة على شروطهم، ولا ندري ما الداعي للحوار حينها ما دامت المطالب قد لبيت؟!

حكومة الإنقاذ الوطني يمكن أن تأتي بعد انتخابات مجلس الشعب الذي سيكون خليطا من كل الأحزاب، وليس قبل أقل من 3 أشهر على الانتخابات، والنتيجة أن القوم يطرحون مطالب تعجيزية فقط لكي يرفضها الرئيس وتستمر الفوضى وصولا إلى الانقلاب.

هل سينجح هذا السيناريو؟ لا ندري؛ إذ إن شياطين الأرض تعبث وتواصل العبث، ولا تريد لهذه التجربة أن تنجح، ليس كرها في الإخوان فقط، بل كرها في ربيع العرب برمته، وهذا هو الأهم.