بين حزبين وتجربتين

بين حزبين وتجربتين

ياسر الزعاترة

في ظل ما جرى ويجري من ترتيب كتلة لحزب الوسط الإسلامي في البرلمان، وبالطبع بعد حصوله على الترتيب الأول في نظام القائمة (3 مقاعد من 27)، ومعه فكرة تشكيل حكومة برلمانية لا بد أن يكون له حضور فيها، فنحن أمام محاولة لاستنساخ التجربة المغربية بطريقة لا تمت إليها بكثير صلة، باستثناء بعض تفاصيل الشكل الخارجي، من دون أن يكون بوسعنا التأكيد على أن هناك من فكّر في الاستنساخ، إذ يمكن أن يكون الأمر مجرد مصادفة.

كانت التجربة المغربية تنتمي من الناحية الواقعية لمنظومة ديمقراطية الديكور العربية، أعني تلك التي تأخذ من الديمقراطية هياكلها الخارجية، فيما تفرغها عمليا من أهم مضامينها ممثلا في ولاية الشعب على قراره السياسي. بعد الربيع العربي قام النظام في خطوة ذكية بإجراء تعديلات دستورية جيدة سمحت بعد انتخابات حرة إلى حد ما بتشكيل حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكومة عبر “ترويكا” حزبية تبعا لحصوله على النسبة الأعلى من المقاعد دون غالبية برلمانية، مع العلم أن تفوق الحزب الانتخابي لم يكن ذا صلة بالتعديلات، لكن الأمرين سمحا معا بتهدئة الحراك الاحتجاجي في الشارع، لاسيما حين مالت الكتلة الأكبر في حركة الاحتجاج ممثلة في حركة العدل والإحسان إلى خيار التهدئة في خطوة بدت مهمة لجهة منح الناس فرصة تجريب الوضع الجديد وربما لإعادة ترتيب حسابات الحركة في ظل الربيع العربي.

تعتبر حركة العدل والإحسان هي الحركة الإسلامية الأكبر في المغرب من حيث عدد المنتسبين والقدرة على الحشد الجماهيري، أقله إلى ما قبل الربيع العربي، تليها حركة التوحيد والإصلاح التي تشكل المرجعية الدعوية لحزب العدالة والتنمية، مع فصل في القرار السياسي بين الحركة والحزب رغم أن معظم عناصره ينتمون إليها، لكن تجربة الحزب البرلمانية لم تكن حديثة، إذ بدأت منذ حوالي عقدين بداية ضعيفة، ثم تطورت بشكل تدريجي وصولا إلى الانتخابات الأخيرة، بينما ظلت حركة العدل والإحسان على موقفها الرافض للدخول في العملية السياسية التي لا تلبي برأيها طموحات الناس في ديمقراطية حقيقية تبعا للدستور القائم وطبيعة النظام الحاكم.

وفيما يبذل حزب العدالة والتنمية الذي شكل الحكومة مع أحزاب أخرى (التجربة الحزبية في المغرب عريقة إذا ما قورنت بالحالة الأردنية)؛ فيما يبذل الحزب جهدا معتبرا من أجل تقديم نموذج جيد في الحكومة في ظل استمرار سيطرة المؤسسة الملكية القوي على مفاصل الدولة، فإن الحكم على التجربة يظل مبكرا رغم إشارات جيدة على تحسن ثقة الناس في الحزب كما بينت نتائج أكثر من جولة انتخابية جزئية أجريت خلال العام الماضي، فيما لا يعرف ماذا سيكون عليه موقف حركة العدل والإحسان بعد وفاة شيخها ومؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله، وما إذا كانت ستغير مسارها بمشاركة لاحقة في العملية السياسية أم ستبقى على نهجها القديم في النضال من أجل ديمقراطية حقيقية تمنح الولاية الكاملة للشعب على قراره السياسي.

في السياق المحلي الذي نحن بصدده هنا، تبدو عملية الاستنساخ إذا صحّ الأمر بعيدة إلى حد كبير عن التجربة المغربية، ليس فقط بسبب الفرق من ناحية التعديلات الدستورية، بل أيضا بسبب الفرق بين تجربة حركة التوحيد والإصلاح (تبعا لها حزب العدالة والتنمية)، وبين تجربة حزب الوسط الإسلامي، إذ كانت الأولى ذات حضور جيد في المجتمع قبل انخراطها في العملية السياسية عبر دخول حزب كان قائما ومن ثم السيطرة عليه وترتيب برنامجه على مقاسها برضا زعيمه التاريخي، حيث كانت تملك عشرات الآلاف من الكوادر الشبابية، فيما لا يملك حزب الوسط حضورا لافتا في الشارع، وكانت حصيلته في الجولات الانتخابية غيابا فعليا عن البرلمان رغم مقاطعة الإخوان للجولة الماضية على سبيل المثال.

اليوم يبدو أن هناك من يرى أن بوسع حزب الوسط أن يأخذ مكان حزب العدالة والتنمية في المغرب، وإن لم يكن بذات الطريقة من حيث تزعمه للحكومة (مجرد مشارك فيها)، في حين تبقى جماعة الإخوان مكان حركة العدل والإحسان (مع فرق أن الإخوان قد شاركوا في العملية السياسية أكثر من مرة)، وبالطبع من أجل القول إن عملية الإصلاح تسير بشكل جيد رغم الاعتراضات عليها، بدليل أن حزبا إسلاميا قد تصدر المشهد البرلماني، وبالطبع بعد انخراط عدد من النواب في كتلته إلى جانب الفائزين منه في نظام القائمة، لكن ذلك لا يبدو برسم النجاح، وستظل الحاجة قائمة لإصلاحات من نوع آخر (يتصدرها قانون الانتخاب) تلبي طموحات الناس؛ الأمر الذي يرتبط كما قلنا من قبل بتطورات محلية وأخرى عربية وإقليمية قد تفرض نفسها بعد وقت ربما لا يطول كثيرا.