هل المعارضة من أخّر الانتصار ؟؟...

هل المعارضة من أخّر الانتصار ؟؟...

عقاب يحيى

 نسمع أحكاماً بالجملة عن مسؤولية المعارضة في تأخير، او عرقلة انتصار الثورة، وأنه لولاها لكانت المور حُسمت قبل زمن طويل .

 في لقاء مع تلفزيون الغد سألني المذيع عدداً من الأسئلة الاتهامية المنطلقة من هذا الحكم، أو التصوّر، واستشهد بكلام للأخ الدكتور كمال لبواني الذي قال في القناة : أننا فاشلون .

في كتابات كثيرة قبل وأثناء الثورة تناولت بموضوعية إشكاليات وأزمات المعارضة. تقصيرها، وما تعانيهز موقفها من الثورة وموقعها فيها . حالة البعثرة والتشتت . قوة العصبوية، والعقلية الدكاكانية. بروز الذات العصبوية والخاصة.. أمراضها التي أصيبت بها في الشيخوخة، وتصلب الشرايين، والديسك، وحتى تحنيط البشر والأفكار والقيادات . عجزها عن قيادة الثورة التي فاجأت الجميع ودفعتهم للجري بأقصى قدرة لديهم علّهم يقدرون على مواكبة وقعها السريع، وطبيعة أساليب شباب فجرها بعيدا عنها . ذهنية الوصاية والأبوية ومحاولة الاحتواء، أو ركوب الموج، والظهر، أو الرفوف . الفشل في توحيد العمل الجماعي، وتباين المواقف حول الطغمة والتعامل معها . الفوارق بين الأجيال والجسور شبه المقطوعة معهم..إلى جانب إيجابيات يجب إقرارها خدمة للموضوعية، وللتضحيات الجسام التي قدمتها أجيال متعاقبة على طريق مواجهة نظام الاستبداد، ومحاولة اختراق جدران مملكة الرعب ولو بالأظافر، ونشر أفكار الديمقراطية، والمجتمع المدني، ومحاولة التراكم الذي كان مهماً في تفجير الثورة السورية على يد جيل من الشباب لم يكن منخرطاً في المعارضة، أو مسيّساً تماماً، أو حزبوياً .

*****

كل هذا يمكن النقاش فيه، وأكثر . لكن لو فرضنا أنه توفرت لنا معارضة (مفروزة على الصحن) منتقاة بالواحد والجملة، ومن طبيعة ما نتمنى.. هل كان يمكن الانتصار مثلاً وإنهاء الطغمة واشتلاعها ؟.

لو لوم تكن هناك معارضة البتة.. هل كانت الصورة أفضل والثورة التي فقدت معظم مفجريها وناشطيها، وشبابها الذي قاد الإرهاصات الأولى، وبلور المطالب الرئيسة.. تعجز حتى اليوم عن إنتاج قيادات بمستوى عظمتها ؟؟..

هل المشكلة في المعارضة فعلاً ؟، أم في غيرها ؟..

ـ غيرها الذي نقصد مجموعة مفاعلات تقتضي الموضوعية أن نقف عندها، وأن نعي كل مفردة فيها كي يكون وعينا شاملاً لأسباب استمرار الطغمة حتى الآن، وتعقّد لوحة الصراع، وأبرزها :

1 ـ موقع سورية الجيوسياسي استراتيجي، وأثر ذلك على دول المحيط، وعلى إسرائيل ومستقبل الصراع مع الصهيونية ومشروعها المعروف، وكون الثورة السورية زلزالاً حقيقياً لن تقف مفاعلاته على بلدنا وحسب، بل ستكون ارتداداته الفورية قوية في دول الجوار والأبعد، مما يجعل الكثيرين حذرين من مستقبل الوضع، متخوفين من قيام نظام ديمقراطي حقيقي ستنتشر أمواجه قوية .

 هذا الموقع الحيوي يعني أن كثير الدول لا مصلحة لها في نجاح الثورة، ودعمها بالتالي. أكثر من ذلك فبعضها عمل ويعمل على تشويهها وحرفها، وإغراقها بمثقلات متتابعة تستنزفها، وتصعب اختصار زمن انتصارها .

2 ـ طبيعة النظام لجهة : مستوى فئويته وتعضدي بنيته الرئيسة : الأمنية ـ العسكرية ـ الطائفية، وقاعدته الشعبية التي تتجاوز الطائفة العلوية إلى مساحات لا بأس منها من المكونات ومن فئات شعبية مختلفة : مسيحية وسنية وغيرها، وعدم حدوث تصدّعات قوية في القوى الممسكة برقاب القرار والوطن . ورفض الطغمة لأية حلول أو تسويات سياسية ولو بالحد الأدنى الذي يلبي مطالب الشعب في الحرية والكرامة، وإصرارها على منتجها الوحيد : القتل والدمار والإجبار، مع استعداد مفتوح، ولا مسؤول لإقامة فعل الإبادة الجماعية للشعب، والدولة والبنيان وكل شيء، حتى لو عمّ الخراب، ولو وصل عدد الضحايا مئات الآلاف.. وأكثر.. لو حلّت الحرب الطائفية التي تعمل لها، أو تدخل خارجي طالما حاولت استقدامه لقهقهة فجور الاستعلاء وعنجهية الحقد .

أكثر من ذلك فللطغمة حليف عضوي تتجاوز العلاقة معه المعروف عن التحالف، ومنطق المصالح. فإيران تعتبر الطغمة بؤبؤ العين. حامل مشروعها، وأهم أذرعتها، لذلك أمدّته بكل ما تقدر، بما يتجاوز الدعم المالي واللوجستي إلى السلاح والمقاتلين، وهي تكشف عن ذلك بإعلانات متتالية أنها ستقاتل معه.. كما هو حال حزب الله، وعددي الحلفاء في العراق، إضافة إلى الموقف الروسي الذي يريد أن يلخص مخارج أزماته، ونزعاته الإمبراطورية، وموقعه في المحاصصة العالمية كدولة عظمى على حساب بلدنا والثورة .

3 ـ الواقع العربي العاجز ـ تأسيساً ـ عن القيام بمسؤولياته عبر الجامعة العربية، أو منفرداً، ووجود تخوم لحدود مواقفه ودعمه يصعب أن يتجاوزها، وهو حال ينطبق على تركيا، وعديد الدول الأوربية المتعاطفة ـ لأسباب مختلفة ـ مع الثورة . كل ذلك بفعل قوة وتأثير الموقف الأمريكي الذي تلعب في تشكيله مجموعة عوامل تخصّ طبيعة الإدارة الحالية، ومؤثرات الصهيونية، وحساباتها الكونية.. بحيث أن استمرار الإبادة، والجريمة المنظمة، وتدمير بنيان الدولة السورية، وصولاً للحرب الأهلية.. تبدو وكأنها عملية مريحة للاستراتيجية الأمريكية، مثلما تظهر فيها البصمة الصهيونية قوية.. كي يستمر الاستنزاف.. ثم يفرضون حلولاً يقررونها ضمن مقايضاتهم على حسابنا .

4 ـ اضطرار الثورة لحمل السلاح، وتبعات ذلك عليها، وعلى استخدام ما يجري ذريعة جديدة للاشتراط، والإحجام تحت يافطة التطرف والإرهاب..

 لقد شهدت ساحة العمل المسلح تداخلات كبيرة اختلطت فيها الأجندات والاتجاهات.. وكأن المقصود تعزيز المليشياوية، والزواريب الحزبية المستقلة، وتضارب، وتنافس رأس المال السياسي الداخلي والإقليمين وحتى الخارجي لتشتيت قوى الثورة، ومنع توحيد المقاومة المسلحة، مع محاولات تدعيم وإبراز الاتجاهات المتطرفة، وتضخيم حجمها ودورها.. بينما تواصل الثورة إصرارها على الاستبسال، والتمسك بثوابتها، وتصعيد انتشارها وعملياتها، وتفصيح جوهرها الذي انطلق بسببه، ولأجله .

5 ـ وعلينا أن نضيف مجموعة السلبيات والأخطاء المرتكبة والتي يتحمل الجميع مسؤوليتها، إن كان في عدم قدرة الهيئات التي قامت على النهوض بواجبها، أو في الفشل في اختراق بنية النظام وقاعدته، أو في صياغة الخطاب الواضح الذي يجذر مطالب الثورة وروحها، أو بعض عمليات ردود الفعل الثأرية، وبعض التصرفات المنفلتة التي تحسب على الثورة، وبعض التصريحات المخيفة، والمتطرفة، وغير المسؤولة، وقدرة النظام المجرم على التوظيف والاستثمار.. وصولاً إلى رهان البعض على إمكانية التوصل لحل تفاوضي مع الطغمة بشروط متذبذبة، ووجود من رهن مواقفه بإمكانية تدخل عسكري خارجي ظنّ أنه في جيبه، وأنه قادم حتماً ..

******

لقد كان مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية محطة مهمة على طريق وحدة العمل المشترك، لكن أسباباً، وفرقاء معروفين أرادوا تجويفه، وتجاوزه. ومع ذلك فالعقل الجمعي ينمو ويقوى، ويحاول الإئتلاف أن يصعد بهذا الاتجاه، وإن كان يعاني كثير الإشكالات البنيوية، خاصة لجهة الصلاحيات، والمأسسة، والروح الجماعية، والتفعيل، وعدم وفاء الوعود بوعودها، وبالتالي محاولة خنقه، وأرشفته.. لتحميله مسؤولية لا يتحملها واقعياً طالما لم تتوفر له الشروط اللازمة لها.

ــ نعم الوضع صعب وثقيل، وهناك موجة يأس تعبر نفوس الكثيرين.. والبعض يصل حدود الكفر بإمكانية الانتصار، فيفشّ خلقه بإلقاء الاتهامات، وهناك كثير من مظاهر سلبية.. لكن، بالمقابل.. هناك ثورة تتسع أفقياً وعمقاً، وتسطر يومياً صفحات من الإعجاز والشهادة والاستبسال، وهناك إرادة شعب لا يمكن أن يستسلم، وهو ماض في معركته حتى الانتصار، وهذه حقائق وليست شعارات، وهناك إرادة وطنية بعدم رفع الراية البيضاء لأية جهة كانت، ورفض الإملاءات والضغوط التي تخل بالقرار الوطني وبسيادة ووحدة البلاد الجغرافية والسياسية والمجتمعية، وهي وإن كانت بحاجة إلى تنظيم مقولة الاعتماد على النفس عبر استنهاض الوطنية السورية الأصيلة، ووضع الخطط الواقعية، كإنشاء صندوق قومي، لتأمين دعم الجاليات السورية في الخارج التي لن تبخل بتقديم ممكنها.. الذي سيكون شرياناً حيوياً في طريق الانتصار...

فإن نهاية الطغمة مسألة وقت.. وستكون في زمن ما، مهما كانت الكلفة التي سيدفعها شعب مصمم عليها.. وإلا إمكانية التوصل إلى حل سياسي يلبي الحد الأدنى من شروط شعبنا، غير القابلة للتنازل : تنحية رأس النظام ورموزه، وتحويل المتورطين بالقتل لمحاكم عادية، وإمكانية التوافق مع عناصر من النظام لتشكيل حكومة انتقالية محددة المهام والزمن والصلاحيات، وإطلاق ممارسة نهج التسامح والمصالحة، ودعوة جمع أبناء الوطن للإسهام في بناء الدولة المدنية الديمقراطية، التعددية، التداولية . دولة المساواة والمواطنية للجميع .