ليس المهم أن تكون وطنياً، ومخلصاً، و... فقط..

عقاب يحيى

ليس المهم فعلاً أن تكون وطنياً، ومخلصاً، وشريفاً، ونزيهاً، ومع الثورة، وصاحب تاريخ طويل في النضال ضد النظام، أو أن تكون قد أمضيت عمرك، وربما جله في الاعتقال والمطاردة وحرب التجويع والهجرة القسرية.. فالمهم ماذا أنت الآن ؟..

ماذا أنت الآن : خطاباً، وعقلاً، وتطوراً، وقدرة على التواصل مع الشباب، وعلى بناء علاقات معهم، ووعي مركبات ذهنهم، وآلية تفكيرهم، وعملهم.. لتكون قريباً منهم، أو قادراً على فهم أحاسيسهم وما يشغلهم، ويحركهم، وطبيعة وعيهم، وأحلامهم، وآمالهم..

كل الماضي ذاك.. هو ماضٍ بالفعل، وحالة ماضوية بالنتيجة، قد تفيد التأريخ، وكتابة المذكرات، وتعني حلقات ضيقة، وقد يكون مادة جذابة لبعض أحاديث في وسط مهتم لم يسمعها.. وقد تصبح مملة وثقيلة عند كثيرين يجهلون التاريخ، أو يؤمنون بالسندويتش والسرعة في كل شيء .

ـ ليس هو صراع الأجيال فقط، ذلك طبيعي في عموم الدنيا والمجتمعات، لكنه عندنا أقسى عبر الفجوة المريعة، القسرية التي حدثت بفعل نظام الأمن والفئوية والاستبداد. حصدت عقود القمع، واغتيال الحرية وكرامة البشر العقول، والتواصل بين المواطنين. عزلت قوى المعارضة في أضيق الأطر، بينما رمت للجيل كثير المفرقاعات والفقاعات ليتسلى بها، وحين قامت الثورة على يد ذات الجيل بدت المسافة كبيرة جداً.. أكبر من المسافة بين الربيع والخريف، وكان على / الشيوخ/ أن يركضوا بأقصى سرعة كي يلحقوا بالثورة ووتيرتها، ولأن معظمهم لا يستطيع فيزيولوجيا وذهنيا راح صوت اللهاث يفرقع في محاور واتجاهات مختلفة . البعض لم يقتنع، أو لم يقدر على مواكبة التطورات، فاستهل موقع الأبوية والوصاية والنصح، والبعض قفز بخطوات خطيرة للركوب في، وعلى الثورة، فاعتلى الرفوف، وهناك من وظف تعقيداتها وخلوها من القيادة الموحدة، وصعوبة إيجاد نواظم لها، ونتائجية التصفيات لكبار الناشطين، وطبيعة النظام الدموية، والوضع الدولي وحساباته وأجنداته المختلفة.. كي يرميها بسهام النقد الشامل..وهناك من حنطه اليأس فآثر زوايا الانتظار..

ـ نعم، أجيال متلاحقة قدّمت زهرة شبابها في مقارعة النظام. دفعت أثماناً غالية يصعب إحصاؤها وحصرها وتفصيصها.. وهناك شهداء كثراً، ومآسياً بعمر عقود ديمومة مملكة الرعب والموت.. لكن، والأسباب كثيرة، لم يستطع هؤلاء تحقيق الحلم، والمطلوب منهم.. وعانوا كثيراً كثيراً من ضغوط مختلفة.. ومازالت نقاوتهم ترسم خط الوطنية السورية الأصيلة، وحالة الإباء والكبرياء لشعب حضاري ظل شامة كشامة الدنيا، عاصمته .

ـ لكن الثورة صناعة شبابية، نبت جديد في أرض سورية خصبة، مهّدتها، بالتأكيد، تلك التضحيات والمقدمات، واختلفت عنها في الخطاب والمحتوى والأسلوب، وهو الأمر الذي يستدعي من /الكبار/ استيعابه، والتفاعل معه بروحية التجديد لا التحنيط، والقيام بمراجعات حقيقية للماضي ومثقلاته، دون غضاضة، أو كبرياء العمر والمعاندة، لأن الوقائع تفرض ذلك، ولأن الحياة متطورة، وتمنح كل يوم جديدها .

ـ بالمقابل.. تجد معارضين مثل النمل جاؤوا البارحة.. احتشدوا زرافات ووحداناً، واعتلوا منصات الشاشات ووسائل الإعلام وباتوا نجوماً تتصور وأنت تستمع إليهم أنهم الثورة، وأنه لولاهم لما كانت ثورة، وأن مجرد غيابهم عن الواجهة يعني كثير الضرر للثورة، وهناك منتفخون، ودجالون، وانتهازيون، وهناك مؤمنون فعلاً بحلم وطن متحرر..

ـ وتجد شباباً لا يرى غير فعله، وأنه صانع المعجزة، والبقية خواء.. والبقية.. هوامش، وتسمع تعليقات مريرة عن /الكبار/ الذين لم يشبعوا، وما زال نهمهم مفتوحاً على المناصب والتنازع عليها، وكثير من أقوال ومقولات.. بينما الثورة في جوهرها، ومآلها ثورة شعب بكل فئاته وأعماره، ثورة للحرية والمواطنة المتساوية التي تدعو الجميع لتضافر جهودهم فيها عبر التكامل، وجسر الهوة بين الأجيال، حين يقدم /الكبار/ خبراتهم وحصيلة تجاربهم بتواضع الثوار المؤمنين بالشباب ودورهم، وبالتناغم بين الأعمار.. وحين يكون على الشباب قراءة تاريخ البلد، ووعي أهمية التراكمات، وأهمية ما يمكن أن يقدمه / الكبار/ للثورة، ولهم، وللبلد ..

ويبقى المهم.. أن يكون الجميع في قلب الثورة، وليس على هوامشها، أو رذاذ أمواجها ..