إيران في ورطتها وبعض قادتها يستعجلون المهدي!!

إيران في ورطتها

وبعض قادتها يستعجلون المهدي!!

ياسر الزعاترة

عندما تصرّح زهرة إشراقي حفيدة الخميني وزوجة الزعيم الإصلاحي محمد رضا خاتمي قائلة: «كيف يقال إنه لا تأثير للعقوبات في البلاد؟ وضعنا حرج، ونحن على حافة هاوية»، فهذا يعني أن كل مساعي إظهار التماسك التي يبذلها قادة إيران لن تغير في حقيقة أن البلاد تعيش أزمة حقيقية بسبب العقوبات الدولية. وفي ذات السياق نقلت صحيفة «أذرنيوز» الإيرانية عن العميد ناصر شعباني، رئيس كلية الحرس الثوري، أنه يتوقع ظهور قلاقل في بعض المدن بعيدا عن طهران، مضيفا أن قضايا المعيشة وسوء أحوال الطبقة العاملة يمكن أن يطلق شرارة الاضطرابات. وكان لافتا أن محسن رضائي، وهو القائد السابق للحرس الثوري قد دعا إلى اختيار رئيس من خارج التيار الإصلاحي والمحافظ «لإنقاذ البلاد»، بعد فشل التيارين في حل المشاكل المستعصية التي تعيشها. ويزداد الوضع حرجا في الداخل الإيراني على مرمى خمسة شهور من الانتخابات الرئاسية التي ستأتي برئيس جديد خلفا لأحمدي نجاد الذي أكمل ولايتين رئاسيتين، الأمر الذي يثير الكثير من المخاوف من تجدد الانتفاضة الشعبية التي وقعت إبان الانتخابات الماضية عام 2009، والتي أفضت إلى وضع رموز التيار الإصلاحي قيد الإقامة الجبرية، وفي مقدمتهم مهدي كروبي ومير حسين موسوي. بل إن مشاعر الخوف من هذا الأمر قد بدأت منذ شهور حين دعا أحد كبار رجال الدين الإيرانيين (آية الله السبحاني) إلى اختيار رئيس البلاد من خلال البرلمان حفاظا على وحدة البلاد.

المؤكد أن أحدا في إيران لم يعد بوسعه إخفاء التأثيرات الكبيرة للعقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني، وتبعا لذلك على الشعب وطبقته الفقيرة والمتوسطة، والمشكلة التي تواجهها القيادة الإيرانية هي أن غالبية الشعب ليست مقتنعة بالأسباب التي أدت إلى فرض العقوبات ممثلة في الإصرار على المشروع النووي، فضلا عن نزيف المال الإيراني في مغامرات سياسية خارجية آخرها دفع أكثر من عشرة مليارات دولار في سوريا لحماية بشار الأسد، وهو رقم تم رصده قبل شهرين تقريبا (أضيف إليه مليار قبل أيام)، ويبدو أنه في ازدياد في ظل تصاعد الدفع خشية سقوط النظام، وعلى أمل تحسين شروط التفاوض على حل سياسي (زيارة رئيس وزراء بشار لإيران على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع تؤكد ذلك).

الشارع الإيراني بكل وضوح ليس مقتنعا بالسياسة الخارجية الإيرانية، وهو يشعر أن بوسع بلاده إن غيرت سياستها أن تعيش وضعا اقتصاديا جيدا بسبب الثروات التي تتمتع بها، وهذا بالتأكيد يزيد في مخاوف القيادة الإيرانية من انتفاضة شعبية تحاكي الربيع العربي، وتعلن رفضها لسلوك القيادة.

نتذكّر هنا أنه حين كان الإصلاحيون في انتخابات 2009 يرفعون شعار «لا غزة ولا لبنان، كلنا فداء إيران»، لم تكن العقوبات قد بلغت هذا المدى، ولم تكن الأزمة السورية قد أطلت برأسها، بمعنى أن الشارع الإيراني هذه الأيام يبدو أكثر استعداداً لاستقبال شعارات الإصلاحيين التي تركز على الداخل الإيراني بعيداً عن مغامرات خارجية لا تأتي بغير العقوبات والأزمة الاقتصادية، فضلا عن نزيف المشاركة في حماية أنظمة متهالك مثل النظام السوري.

ربما كان خطاب الإصلاحيين الإيرانيين أكثر قومية من خطاب المحافظين، وقد ينطوي على مخاطر ما بالنسبة للوضع العربي، لكن ما ينبغي أن يُشار إليه أيضا هو أن الربيع العربي لا زال يبشر بمرحلة جديدة تستعيد فيها مصر دورها، ومعها عموم الوضع العربي، فيما تعيش تركيا وضعا جيدا، أقله من الناحية الاقتصادية، وبالتالي فإن إمكانية التفاهم مع قيادة إيرانية جديدة على أسس لجوار إقليمي إيجابي تبدو ممكنة إذا كفت إيران عن توسيع دائرة طموحاتها على نحو لا تقبله؛ لا تركيا ولا العرب بوضعهم الجديد بعد ربيع الثورات.

ما بين عام 2009، وهذه الأيام هناك مشهد إقليمي مختلف تماما، وما من شك أن إيران اليوم قد أصبحت من أهم الأعداء، بل ربما أهمهم عند قطاع واسع من العرب والمسلمين في ظل حشد مذهبي واسع النطاق، وهذا يعني أزمة أخرى تضاف إلى الأزمات الاقتصادية التي تعيشها. وقد بات واضحا أن إيران بقيادتها الحالية تملك القابلية لعقد صفقة مع واشنطن تؤدي إلى رفع العقوبات مقابل التخلي عن المشروع النووي، وإن كان طموحها أن تضم إلى الصفقة عناصر أخرى تتعلق بالدور الإيراني في المنطقة، وربما تسوية مقبولة في سوريا أيضا. الأرجح أن شيئا من هذا القبيل لن يحدث من هنا إلى الانتخابات الإيرانية في يونيو المقبل، ولا يُستبعد أن يذهب الشارع الإيراني سريعا في اتجاه نفاذ الصبر من هذه السياسية التي وضعته رهين أزمة اقتصادية خانقة، فضلا عن قدر من القمع الأمني الزائد عن الحد.

لقد آن للقيادة الإيرانية أن تعيد النظر في مجمل سياستها الخارجية قبل أن يفاجئها الشارع بثورة واسعة النطاق، ونحن من زاوية نظر عربية لا يعنينا غير التفاهم على جوار إقليمي إيجابي، بصرف النظر عن هوية القيادة في إيران، وهذا لن يحدث إذا أصرت على دعم نظام بشار المجرم، وواصلت سياستها المعروفة في العراق. كما نتمنى أن تحكّم تلك القيادة العقل بدل ترويج خطاب غيبي لا يقبله الشارع الإيراني نفسه، كذلك الذي صدر عن علي سعيدي، ممثل خامنئي لدى الحرس الثوري، والذي قال إن «دور إيران يتمثل في إرساء الأسس لظهور الإمام المهدي»، مضيفا أن «التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط تمثل استعدادات إضافية قبل مجيء الإمام المهدي»، الذي لن يظهر برأيه «إذا لم يحدث تغيير مهم في الشرق الأوسط»، ما يذكرنا بخطاب تقليدي مشابه دأب عليه نجاد منذ سنوات!!