القط المتوحش

القط المتوحش 

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يبدو أن دول الغرب الاستعماري لا تتعلم من التاريخ ولا الجغرافيا‏,‏ وتصر علي فلسفتها الوحشية التي تؤمن بالقوة المجردة من الأخلاق والفضائل والدين‏;‏ فتستبيح من أجل مصالحها كل الأعراف والقوانين والقيم‏

وتنسي أن الشعوب تقاوم وتنتصر مهما كانت ضعيفة ومستباحة. لقد استباحت الولايات المتحدة والتحالف الغربي شعوب الأفغان والعراق والصومال بذرائع كاذبة, ومع ذلك لم تنتصر وأخذت الجيوش الغازية تهرب وتترك مواقعها.

اليوم تكرر فرنسا ما جري في الدول الإسلامية المستباحة, وتدفع فجأة ودون مقدمات بطائراتها وقواتها في جمهورية مالي الإسلامية في عملية سمتها القط المتوحش, فتقتل المئات وتدمر كثيرا من القري والمدارس والكتاتيب, وتواصل هجومها الوحشي تحت ذريعة مقاومة الإرهاب, ويتحرك رئيسها في العالم العربي طلبا للدعم المادي واللوجستي والمعنوي, وللأسف تستجيب بعض الدول العربية!

إن الخلاف بين أبناء الشعب المالي يمكن حله سياسيا وبالوساطة التي يقوم بها الاتحاد الإفريقي والدول المجاورة, ولكن فرنسا الاستعمارية تعيد وحشية نابليون في مصر, ووحشية قادتها ضد الجزائر وتونس ومراكش والشام, وتتناسي أن هذه البلاد أرغمتها علي الرحيل المخزي.

إن فرنسا الاستعمارية تفكر بمنطق المصلحة والمنفعة, ولا تقصد حماية مالي بذاتها ولكن عينها علي اليورانيوم في مالي والنيجر, والنفط والغاز في الجزائر وليبيا, وربما تشاد والسودان مستقبلا. اليورانيوم أو النفط هو المحرك للعملية العسكرية الحالية, مهما تدثر الرئيس الفرنسي بالحديث عن مكافحة الإرهاب, فالذين يسعون الي انفصال اقليم أزواد ليسوا من الإسلاميين أو الإرهابيين كما تسميهم فرنسا, ولكن تشاركهم جبهة تحرير أزواد العلمانية ولها حضور كبير في شمال مالي.

يحرص الفرنسيون علي تقديم أنفسهم بوصفهم رمز النور والحضارة والرقة والتهذيب, ولكنهم للأسف عادوا إلي طبيعتهم الاستعمارية القديمة وشهوتهم لالتهام ثروات الشعوب الإسلامية الضعيفة. لقد تمني العرب أن تقوم فرنسا بحماية الشعب السوري الذي تربطه بفرنسا علاقة استعمارية قديمة وأن تسعي علي الأقل لإقامة منطقة حظر جوي تمنع الطاغية من ممارسة المزيد من القتل والدمار, ولكن فرنسا كانت شغوفا برائحة النفط والغاز واليورانيوم!