في مواجهة التضليل الإعلامي

بدر محمد بدر

[email protected]

يعاني الشعب المصري كثيرا طوال العامين الأخيرين من ضغط وسائل التضليل الإعلامي، وأصبحت قراءة صحيفة في الصباح أو مشاهدة برامج التليفزيون في المساء والسهرة، ترفع معدل الضغط العصبي، وتزيد من التوتر النفسي، وتدفع الكثيرين إلى اليأس والإحباط!

وارتاح كثير من المواطنين الشرفاء إلى مقاطعة الصحف أو عدم مشاهدة برامج التوك شو، أو إغلاق قنوات التليفزيون من الأساس، أملا في الهروب من دائرة التوتر والقلق والخوف، وخروجا من ذلك الإحساس المرير بسوداوية المشهد السياسي الحالي، وفقدان الأمل في الحاضر، واليأس والقنوط مما هو قادم، مع أن الشعب هو الذي يدفع الضرائب ويتحمل المعاناة من أجل أن يكون لديه إعلام يحترم عقله ويقدم له بأمانة ونزاهة وشرف، ما يساعده على تجاوز هذه الحالة.

وأنا لا أطالب بإيقاف صحيفة أو مجلة أو تعطيل موقع على الشبكة العنكبوتية، كما أرفض أيضا غلق قناة فضائية، لأننا عانينا من فقدان الحرية طويلا، وقد عشت حياتي المهنية منذ أكثر من 30 عاما، أتوق إلى تلك اللحظة التي تتمتع فيها بلادي بالحرية والمسئولية في مجال الإعلام، وكلما كتبت في صحيفة أو مجلة كان أجلها ينتهي سريعا، ومثلي يشعر الآن بسعادة لأن الدستور الجديد أتاح إصدار الصحف بمجرد الإخطار، ولم يعد للأجهزة الأمنية ولاية على تأسيس الصحف والمجلات.

لكن الحرية الإعلامية تحميها وتحافظ عليها المسئولية الاجتماعية والأخلاقية والالتزام المهني والأداء الموضوعي، ويزداد الأمر أهمية في فترات الأزمات والتحولات السياسية، ولذلك فإن الخروج على قيم الحرية يكون أكثر ضررا وأعمق أثرا وأشد ألما، والحل من وجهة نظري يكمن في اختيار لجنة من كبار الصحفيين والإعلاميين (11 مثلا) لتقويم الأداء، والبت في مدى مهنية ما يقدم في وسائل الإعلام من أخبار وبرامج، واتخاذ ما تراه مناسبا ضد الإخلال بالمهنية.

ويجب أن تحظى هذه اللجنة بوضع قانوني سليم، يمكنها من إصدار العقوبات وتطبيق الغرامات فورا، والتي أرى أن تتراوح بين 5 آلاف و50 ألف جنيه، في حالة نشر أخبار كاذبة أو مجهولة المصدر أو بلا دليل، وفي حالة تكرار المخالفة يجب مضاعفة الغرامة، على أن يتحمل الصحفي أو الإعلامي نصفها، والنصف الآخر تتحمله الصحيفة أو القناة التليفزيونية التي يعمل فيها، مع استخدام عقوبات أخرى مثل: اللوم أو الحرمان من الكتابة، أو الظهور على الشاشة، لفترة محددة.

وأعتقد أن تفعيل هذه اللجنة ضروري من الآن، وحتى يتم تشكيل المجلس الوطني للإعلام، الذي عليه أن يحمي المجتمع من الأداء غير المهني، وأن يرعى الإعلام المسئول الذي يوفر المصداقية والمهنية بلا تحيز كما يحدث الآن، وأقترح أن تقدم نقابة الصحفيين أربعة من أعضاء هذه اللجنة، وأربعة آخرين من المجلس الأعلى للصحافة، وثلاثة من أساتذة كليات الإعلام والحقوق والآداب، وأن يكون لها سكرتارية من موظفي النقابة على أن تؤول هذه الغرامات لخزينة نقابة الصحفيين.

لا يمكن أن ينعم المجتمع المصري في اعتقدي بالهدوء والاستقرار، ولا يمكن أن تحظى أي حكومة بالفرصة في إقناع الشعب بأن هناك إنجازا ما يتحقق على الأرض، إلا في ظل وضع طبيعي لوسائل الإعلام، يتسم بالمصداقية واحترام المهنية، والسعي وراء الحقيقة وحدها، والبعد عن الاستقطاب القائم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بضوابط، يقوم عليها أبناء المهنة بأنفسهم ويحاسبون من يتجاوزها، وهذا بالتأكيد يسعد المنصفين والشرفاء في مهنة الإعلام، وهم كثيرون بحمد الله.

نريد إعلاما أمينا على القيم الأخلاقية والمهنية، ويساعد الوطن على النهوض والانطلاق من جديد.

ـــــــــــــــــــــــ

** الأهرام 30 /12 /2012