شيء عن المناضل المرحوم مصلح سالم

عقاب يحيى

ذكرتني الأخت العزيزة أم سالم بمناسبة حزينة.. علينا، خاصة نحن المهجرّين قسرياً في غربة الأحلام والإخفاق والمرار.. إنها ذكرى وفاة زوجها : المناضل المعروف مصلح سالم .. الذي انفجر قلبه بعيد غزو العراق عام 1991..

رغم فارق السن.. ربطتني بأبي سالم علاقة وثيقة، شدّت أواصرها لقاءاتنا اليومية، ومحاولات إنهاض جبهة عريضة لقوى المعارضة كان هو وأنا جزء من لجنتها التحضيرية التي شهدت حوارات طويلة في تونس، ثم في بغداد، وكانت المرة الأولى بالنسبة لي التي ألتقي بكل من " قادة البعث القومي" في سورية، وقادة الإخوان المسلمين وكانوا شقين بزعامة المرحومين : عدنان سعد الدين، وحسن هويدي، قبل أنيتسلم الأستاذ على صدر الدين البيانوني منصب المرشد العام، وينتهي الانشقاق بالتوحيد ..

****

كانت الآمال قوية بإمكانية إسقاط نظام الطاغية الأكبر إذا ما توحدت المعارضة في إطار واحد بكل مشاربها، وكان إنجازاً كبيراً أن تلتقي أطياف وضعت تابوات فيما بينها، كالاتجاه القومي واليساري مع الإسلامي.. والذي أثمر في فهم كل طرف للآخر، وفي نشوء علاقات ودية، وقيام حوارات معمقة حول جوهر الديمقراطية، والتحالفات.. وغير ذلك كثير، بينما لم تسمح الظروف الموضوعية ـ الذاتية بإثمار تلك المحاولات.. فتتالت أزمات المعارضة ..

***

أحاديث كثيرة تبادلناها والمرحوم أبو سالم، ومنها ما دخل المناطق المعتمة، والمجهولة، وحقول الألغام.. وكان سؤال مركزي يلح بقوة على الأذهان : هل ما جرى للبعث والحكم في سورية أمر طبيعي يمكن تفسيره في السياق الظاهر للأحداث، وخاصة بروز الظاهرة الطائفية وانتشارها بشكل فاضح، وبما يتجاوز التبريرات التي طالما سوّقناهان والتفاسير الظاهرة إلى واجب الدخول في العميق، والدخول صعب، ونتائجه كارثية خاصة لمن تحمل مسؤوليات العمل السري بعد انقلاب الطاغية على الحزب ورفاقه، وقدّم تضحيات كباراً.. هو العمر، بالنتيجة، وكان كثيرنا كبالع الموس.. في إعطاء أجوبة شاقية لشيء غزا الحزب والسلطة وأعلنه الطاغية بوقاحة لا تخفى على أحد.. هل الذي جرىى نتيجة تخطيط مسبق؟.. ومشروع طائفي غشنا فأغرق الحزب والسلطة؟.. ومن يكون مسؤولاً فيه؟، وكيف نبرّئ ساحة قيادات أفنت العمر في معارضة الطاغية وكانت في موقع المسؤولية؟.. ام نتعكز على التفاسير الطبقية والطبقوية والسائد من المقولات.. عن تاريخية مسار الظاهرة..كنتاج للفقر والاضطهاد.. والإقبال على الجيش.. وكثير مما قيل ؟؟...

ـ المرحوم أبو سالم كان يؤكد على مسامعي مراراً أنه هناك تنظيماً طائفياً داخل التنظيم البعثي. تنظيم بكل معنى الكلمة له قياداته وأطره ومؤسساته، وهو الذي يقرر ويعمم وينفذه الآخرون، وانه لمس لمس اليد والتجربة ذلك.. وأعلنه في مقابلته مع صحيفة السلام الجزائرية ...

ـ تناقشنا كثيراً بحقيقة مثل ذلك التنظيم.. بمظاهره .. وكنت حائراً بالفعل.. لأن الإقرار به يرتب نتائج كبيرة لم يكن العقل يتحملها، ولا العمل الذي نقوم به.. في نفس الوقت فإن تجليات كبيرة، كثيرة لا تفسير طبقي، ولا طبقوي لها، ويعجز التبرير عن فكّ احاجيها، أو الاكتفاء بالسيرورة الظاهرة للظاهرة، خصوصاً وأن التوريث، وما يحدث طوال اشهر الثورة يلقي من جديد أسئلة كبيرة تحتاج التعمق والإجابة.. وكذا الأوضاع التي ما زالت متماسكة في بنية النظام وقاعدته العريضة ..

****

عديدة المشتركات مع المرحوم المناضل أبو سالم، وأكثر منها تلك العلاقة الحميمية التي نشأت زاداً يخفف شيئاً من وقع غربة مركبة.. تفاقمت بعد رحيله المفاجئ.. على الصعيد الذاتي ..

له الرحمة.. ابو سالم.. ولعائلته الكريمة الذكرى العطرة لتاريخ رجل آمن فأوفى.. وظل ممسكاً بجمرة الإيمان.. رغم الأعاصير وقسوة الظروف...