هل يفعلها العلمانيون؟!

بدر محمد بدر

[email protected]

ببساطة كنت أتوقع أن يرفض العلمانيون واليساريون وبعض القيادات الليبرالية نتيجة المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور الجديد، لسبب واضح هو أنهم ببساطة لا يؤمنون بحق الشعب في إبداء رأيه، وكل محاولاتهم لوقف هذا الاستفتاء أو تأجيله باءت بالفشل، ورغم أنهم يمتلكون أبواقا إعلامية تثير الغبار ليل نهار، إلا أن غالبية الأمة قالت في النهاية نعم للدستور.

ألف باء الديمقراطية التي حرمنا منها العلمانيون طويلا، تقول بأن الصندوق الانتخابي هو الفيصل في حسم المواقف والاختيارات العامة للوطن، وأن الشعب دائما وأبدا هو صاحب السيادة والسلطة، وأن قرار الأمة هو ما ينبغي أن يحني له الجميع رؤوسهم، وأن من أهداف ثورة يناير العظيمة، أن يمارس الشعب المصري حريته السياسية، وحقه في أن يختار ما يشاء، لكن النخبة المتسلطة في بلادنا تبذل الآن كل ما في وسعها، من أجل أن تستولي هي على القرار، وليس الشعب الحر!.

كتابات وآراء علمانية وماركسية وليبرالية، سودت صفحات الصحف وشاشات الفضائيات طوال الأشهر الماضية، تحذر الشعب المصري من تأييد الإسلاميين، وتتهمهم بعدم الإيمان بالديمقراطية، ولا يؤمنون بالانتخابات أصلا، وأن الانتخابات التي سوف تأتي بهم هي الأخيرة في تاريخ مصر، باعتبار أن الإسلاميين لن يقبلوا بها ثانية، وأنهم لن يتركوا الحكم أبدا إلخ هذه الافتراءات، ويشاء الله سبحانه أن يكتشف الشعب سريعا وبصورة واضحة، زيف ادعاءات دعاة العلمانية والليبرالية.

واقرأوا معي ما قالته الأسبوع الماضي خبيرة شؤون الشرق الأوسط بمعهد "كارنيجي" للسلام بأمريكا د. مارينا أوتاوي، في تعليقها على ما يدور في مصر الآن، وهي بالتأكيد ليست محسوبة على التيارات الإسلامية، بل تنتمي إلى التيار الليبرالي الغربي، تقول: "إستراتيجية الإخوان هي استخدام الانتخابات لثقتهم في الفوز"، و"إستراتيجية العلمانيين هي اللجوء إلى المحاكم لمنع الإخوان من الاستفادة من نتائج الانتخابات"، و"المعارضة العلمانية تعلم أنها لن تفوز في الانتخابات".

وتضيف أيضا: "سوف تقول المعارضة إن الاستفتاء مزور، حتى ولو كان تحت إشراف دولي"، و"الدستور لا يميز ضد المرأة، وليس كارثيا كما تصوره المعارضة"، و"العلمانيون طالبوا قبل عام بوضع صلاحيات كبيرة للرئيس، والآن يعترضون لأن الرئيس ينتمي للإخوان المسلمين"، وتؤكد د. مارينا أن "سبب الأزمة الأكبر هو أن أحزاب المعارضة العلمانية تعرف أنها لن تفوز في الانتخابات، وفي الغالب لن تستطيع كذلك أن توقف الاستفتاء علي الدستورالجديد".

وترى أن "المعارضة العلمانية مفتتة، ولا تمتلك دعم تجمع موحد، يساعدها علي الفوز في الانتخابات، ولذلك تلجأ إلي الاستعانة بالقضاء لعرقلة نجاح الإخوان في الانتخابات"، و"الصراع الدائر لم يبدأ مع الإعلان الدستوري، بل بدأ عندما حلت المحكمة الدستورية البرلمان المنتخب في انتخابات شهد الجميع بحريتها ونزاهتها"، و"ظلت النخبة العلمانية في السلطة منذ عام 1956 مع خروج الانجليز من مصر، وصبغت البلد بصبغتها العلمانية، واليوم أغلبية كبيرة تميل نحو الإسلاميين، ولا ترضي عن الاتجاه العلماني الذي تسير فيه مصر".

هذه رؤية خبيرة متخصصة من الغرب، ترى بوضوح المأزق التاريخي والفكري والميداني الذي يمر به التيار العلماني في مصر، حاولت أن أقدم كلماتها بنفس أسلوبها، وهي بالطبع لا تنافق التيارات الإسلامية، وأيضا لا ترحب بها أو تدعمها أو تتمنى نجاحها، بل تحاول استشراف الصورة الصحيحة للواقع السياسي عندنا، بعيدا عن التزييف والتضليل.

وكل ما أتمناه الآن أن يكون لدى قادة هذه التيارات العلمانية والليبرالية الشجاعة لإعلان قبولها واحترامها لإرادة الشعب، عبر التسليم بقرار الصندوق الانتخابي، باعتباره السلطة الأقوى الآن في الوطن.