مولانا الإمام البرادعي !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

قناة العربية الخليجية التي يلقبها كثير من الناس بالعبرية اهتمت مؤخرا بكلمة متلفزة لفضيلة مولانا البرادعي . العبرية الخليجية حريصة على الانحياز إلى جبهة تخريب مصر التي يقودها الناصريون والشيوعيون والبردعاويون نكاية في الشعب المصري الذي أسقط الطاغية ويجاهد لإسقاط أتباعه وأنصاره من اللصوص الكبار ومثقفي الحظيرة وأبواق الزور والجلادين الذين أفلتوا من العقاب حتى الآن . وفي هذا السياق قدمت لنا الدكتور محمد البرادعي في كلمته المتلفزة ليتحفنا لأول مرة بكلام حول الشريعة الإسلامية ، ويعلمنا أن الشريعة مقاصد ، وأن ما يسميه دستور الإخوان سيسقط في النهاية .

معركة البرادعي مع المصريين والعرب وجه من وجوه الصراع المستعر بين الإسلام والغرب ، فالبرادعي نموذج للمثقف المصري العربي الذي استلبه الغرب ، وحوله إلى تابع أمين يبنى أطروحاته وتصوراته بدءا من الولاء للصهيونية إلى ازدراء الهوية الوطنية الإسلامية . وقد طبق البرادعي ذلك عمليا حين سلم العراق بوصفه " محللا" قانونيا دوليا ؛ إلى قبضة الإجرام الاستعماري الصليبي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ، فسقطت بغداد جثة هامدة يرعاها دود الطائفية والفساد والاغتصاب والهوان . وطبقه عمليا أيضا حين كشف عن اهتمامه بالهولوكست المزعوم ضد اليهود وتجاهل الهولوكست الحقيقي المستمر ضد الفلسطينيين !

 مولانا البرادعي - رضوان الله عليه – تنازل أخيرا ، وحدثنا عن الإسلام والشريعة الإسلامية ، وأفتي بغير علم في أمورها ، عبر حديثه الذي بثته قناة العبرية الخليجية ، ودلس علينا في كثير من كلامه . ولا عجب في ذلك فقد تذكر الإسلام والشريعة الإسلامية بعد أن قضي شهورا طوالا يخاطب الشعب المصري من خارج البلاد عبر تويتاته ويحرك أتباعه لإسقاط الدولة الظلامية التي لا تتعاطف مع الهولوكست اليهودي ، ونسي أنها تتعاطف مع الهولوكست الفلسطيني الذي يقيمه على مدار الساعة أصدقاؤه اليهود والأميركان ، كما كان الرجل مشغولا بإقامة المعابد البوذية على أرض مصر المسلمة ، ولم أكن أدري أن مصر فيها بوذيون يعبدون بوذا إلا بعد أن أخبرنا بذلك الزعيم البرادعي ، غفر الله لنا وله ، وكنت أتمنى أن يهتم فضيلته بالدعوة إلى بناء المدارس والمستشفيات  ولكن مشاعره الرقيقة تأبى إلا التعاطف مع البوذيين المضطهدين في وطننا الظالم وفق رؤيته .

من المؤكد أن مولانا البرادعي يقدم خدمة جليلة للإسلام والمسلمين وهو يتحدث عن الشريعة الإسلامية التي يجب أن توفر الطعام للفقراء والوظائف للشباب والعلاج للمرضى والمساكين ، بوصف هذه القضايا وشبيهاتها من مقاصد الشريعة ، بيد أن مولانا البرادعي نسي في غمرة حنقه على النظام الإسلامي أن يعتذر للشعب المصري الذي وصفه بالهمجية لأن بعض الأولاد في القاهرة كانوا يتحرشون ببعض البنات أمام دور السينما ، ولم يقل لنا فضيلة الدكتور البرادعي إن من مقاصد الشريعة أن تحول المجتمعات الهمجية إلى مجتمعات متحضرة   .

لا أدري لماذا ظهر البرادعي في القناة العبرية الخليجية عشية التصويت على الدستور ليعلن أن "الدستور الذي أعدته جماعة الإخوان المسلمين، باطل، وليس بسبب الشريعة". ويدلل على ذلك بقوله : إنه عندما يقاطع  ثمانين في المائة من القضاة الإشراف على الاستفتاء فإننا نتأكد من أنه باطل، وإن "القوى السياسية ستعمل، قبل الاستفتاء وبعد التصويت عليه، من أجل إسقاطه".

إن فضيلة الدكتور البرادعي يدلس على الناس حين يصف الدستور بأنه دستور الإخوان لأن أعضاء فريقه الاستبدادي الذي يضم الناصريين والشيوعيين والفلول قد شارك في إعداد تسعين في المائة من الدستور قبل أن تأمرهم الكنيسة بالانسحاب ابتزازا واستئصالا لكل ما يتعلق بالإسلام في الدستور ، ثم تحويله إلى دستور على مقاس الكنيسة والمعادين للإسلام ،  بالإضافة إلى إرباك الدولة حتى تظل أسيرة للأقليات المستبدة الإرهابية التي تملك المال الحرام والإعلام المسموم ومفاصل الدولة الأخرى ..

يتناسى مولانا البرادعي أن نادي القضاة في سابقة خطيرة حول القضاء إلى لاعب في الساحة السياسية ، وهتف أعضاؤه الشعب يريد إسقاط النظام ، وشارك محامون وسياسيون وفنانون في جلسات النادي مما جعل القضاء يخرج عن وظيفته الحيادية في الحكم بين الجهات المتخاصمة والجبهات المتصارعة والخصوم المتشاكسين . ثم إن امتناع عدد كبير من القضاة انحيازا لتيار سياسي ضد آخر لا يعني بالضرورة أن الدستور باطل ولكنه يعني نكوصا عن أداء مهمة وطنية ترقى إلى درجة الأمانة، ثم إن هناك قضاة آخرين وافقوا على الإشراف القضائي على الاستفتاء ، مما يعني أن الدستور ليس باطلا .

يتجاهل البرادعي أن الذين صاغوا الدستور وقاموا عليه من كرام القضاة والقانونيين والمثقفين والعلماء والخبراء والمتخصصين وليسوا من الهتيفة الذين يسيرون وراء هواهم ومصالحهم الخاصة وأوامر الكنيسة .

ومن حق البرادعي وجبهة تخريب مصر التي يقودها أن تسقط الدستور إذا استطاعت شريطة أن يكون ذلك معبرا عن إرادة شعبية  حقيقية ؛ لا تحركها أموال حرام من هنا أو هناك ، أو تعتمد على التدليس أو التضليل ، مثل القول إن الدستور لا يضمن الحقوق لأطياف المجتمع: المرأة والطفل والمعوق والفقير وكل مواطن، لأن ذلك يدل على أن مولانا البرادعي لم يقرأ الدستور ولم يطلع عليه .

ثم إنه ليس من حق البرادعي أن يدعو بلغة استعلائية متعجرفة الدكتور محمد مرسي إلى إلغاء الاستفتاء على الدستور، لأنه "سيسقط في النهاية". هذا نوع من التجاوز في حق الشعب المصري وافتئات عليه ، لأن الشعب وحده هو صاحب الحق في إسقاط ما يشاء ورفع ما يشاء .

وأخيرا فقد لفت البرادعي إلى أن الإسلام دين المقاصد، مشيرا إلى أن مصر تراجعت لأن مقاصد الإسلام لم تطبق، وهي إطعام الفقير وكساء العريان وتعليم الجاهل وتطوير مصر ، وأنا أؤيده في ذلك بكل قوة ، وأتمنى أن يبقي على هذا  النهج ويؤيد المادة الثانية والمادة 219 من الدستور ولا يرضخ لإرادة الأشرار الذين يريدون حذف الإسلام من الوجود وليس من مصر فقط . حمى الله مصر المسلمة ، وهدى مولانا البرادعي !