بدءُ مرحلة فقدان الأمل لدى الأسد

بدءُ مرحلة فقدان الأمل لدى الأسد

محمد عبد الرازق

بدعوة روسيا رعاياها المقيمين في سورية إلى مغادرة سورية تكون ( مرحلة فقدان الأمل ) لدى نظام الأسد قد بدأت في العدّ التنازلي؛ لتبدأ بعدها المرحلة الخامسة، و الأخيرة من مراحل فقدان التحفيز، المؤلف من خمسة مراحل على النحو الآتي:

1ـ مرحلة البلبلة.

2ـ مرحلة التذمُّر.

3ـ مرحلة الأمل اللاشعوري.

4ـ مرحلة فقدان الأمل.

5ـ مرحلة الإحباط.

  فلقد نقلت وكالة (آكي) الإيطالية عن مصادر روسية موثوقة أنّ السفارة الروسية في دمشق أعلمت جميع الرعايا الروس بأنّها ترحّب بخروجهم من سورية، وستقوم بتسهيل ذلك بإمكانيات استثنائية، وعرضت عليهم تسهيلات لانتقالهم إلى روسيا بأيّ وقت يرغبون فيه.

وقالت المصادر: إنّ السفارة الروسية بدمشق أخبرت الروسيات المتزوجات من سوريين والبالغ عددهنّ أكثر من ستة آلاف، و أبناءَهن ممّن يحملون الجنسية الروسية، والرعايا الروس الباقين في سورية بأنّها ترحّب بمغادرتهم سورية بأقرب فرصة، و أكّدت لهم أنّه بإمكانها تقديم تسهيلات لهم لنقلهم في حال لم يستطعن تأمين بطاقات سفر، أو وسائل للخروج من سورية.

و ترجّح هذه المصادر أن يكون لدى روسيا مخاوف من ازدياد الأوضاع سوءًا في البلاد، وأنّها أقدمت على هذه الخطوة حفاظًا على أرواحهم.

يأتي هذا الأمر في الوقت الذي يصرح فيه رئيس الحكومة الروسية ديمتري مدفيديف خلال زيارته الأخيرة إلى باريس ( الاثنين: 26/ 11/ 2012م )، أنّ بلاده لا تقيم علاقات خاصة ومميزة مع نظام بشار الأسد كما كان عليه الحال خلال حكم والده حافظ الأسد.

هذا في الوقت الذي شرع الروس فيه في إجراء اتصالات مستعجلة، و طارئة مع العواصم الغربية، و واشنطن حول مستقبل سورية.

فلقد حاول المسؤولون الروس حسبما ذكر المسؤولون الأمريكان التحادث معهم في أثناء عطلة عيد الشكر ( عطلة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، يحتفل بها في الخميس الرابع من شهر نوفمبر من كل عام، تمتد أربعة أيام كان آخرها الأحد: 25/11/ 2012م ).

و أضاف أحد هؤلاء المسؤولين: إن رسالة روسية وصلتني، تقول: إنَّ علينا التباحث في موضوع سورية، فالقتال وصل إلى ساحة العباسيين في دمشق.

و أضاف أيضًا: لقد حاول الروس الاتصال كذلك بالفرنسيين، ولكنهم سمعوا تصلبًا فرنسيًّا ضد الموقف الروسي؛ ممَّا دفع رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إلى مهاجمة فرنسا علنًا. وتابع: سنقوم بالاتصال بالفرنسيين لنتبيَّن الموضوع.

و بحسب المسؤولين الأميركيين، فقد طلب الروس من واشنطن العمل معًا من أجل إنهاء الوضع القائم بصورة سلمية، والحفاظ على الدولة السورية، و التباحث في الشأن السوري لمرحلة ما بعد الأسد، و التأكيد على مشاركة حلفائها من معارضة ما يسمى بمعارضة الداخل ( هيئة التنسيق ) الذين تعتبرهم روسيا غير متمثلين في إعلان الدوحة في تلك المرحلة.

تأتي هذه التطورات في الموقف الروسي متزامنة مع تحركات يشهدها في المشهد السوري؛ فهناك اعترافات متتالية بالائتلاف الوطني أوروبيًّا، و عربيًّا، و أمريكيًّا، و هناك زيارة علي لاريجاني ( رئيس مجلس الشوري الإيراني ) إلى دمشق، و اجتماعه بالمسؤولين العسكريين و الأمنيين، لينتقل بعدها إلى أنقرة ليلتقي برئيس وزرائها. و بعدها يقوم أردوغان بعقد لقاء مع رئيس مخابراته، ثم يعقبه اجتماعٌ له مع قادة الائتلاف الوطني السوري. و في محطته الأخيرة اليوم ( الأربعاء: 28/ 11/ 2012م ) يصل لاريجاني إلى العراق.

هذا في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة لوفيغارو الفرنسية في عددها الصادر ( السبت:23/ 11/ 2012م ) عن خطة الأخضر الإبراهيمي الجديدة للخروج من الأزمة السورية الجارية، بعنوان ( خطة الإبراهيمي للتهدئة في سورية ). محاولاً الاستفادة من عودة مصر دبلوماسيًّا على الساحة الإقليمية.

 و تنص الخطة على إقامة ( الحكومة الوطنية الانتقالية ) التي من شأنها أن تتمتع بـالسلطة التنفيذية الكاملة لقيادة سورية حتى الاستحقاق الانتخابي البرلماني والرئاسي في عام 2014م، الذي سيكون تحت إشراف الأمم المتحدة.

 و نقلت الصحيفة عن أحد المقربين من الإبراهيمي قوله: إن هذه الانتخابات ستشمل أيضًا الانتخابات المحلية في وقت واحد، و أشارت إلى أن الخطة التي سيكشف عنها المبعوث الدولي تنص على أن الأسد سيستكمل ولايته، ولكن دوره سيكون تمثيليًّا فقط.

 و أوضحت نقلاً عن مصادر مطلعة أن الحكومة الانتقالية ستضم أعضاء من المعارضة وبعض المسؤولين في النظام السوري الحالي، الذين لم يشاركوا في أعمال القمع الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 40 ألف شخص.

هذا، و من المنتظر أن تجتمع الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري، اليوم في القاهرة؛ بهدف إقرار تشكيل اللجان التنفيذية للائتلاف، و مناقشة التوقيت الملائم للبدء في تشكيل الحكومة المؤقتة.

تأتي هذه التحركات السياسية على وقع الانتصارات التي يحققها الثوار السوريون، وتراجع قوات بشار الأسد في عموم المحافظات. فقد كشف نائب رئيس الأركان في الجيش السوري الحر أن قوات الأسد بدأت تتراجع وتتكتَّل في العاصمة دمشق؛ معتبرًا أنها الخطوة الأولى باتجاه معركة دمشق الكبرى، حيث يسقط النظام نهائيًّا.

 فأعداد الجيش الحر باتت تفوق أعداد قوات الأسد، الذي بدأ التخلي عن المناطق البعيدة وتركيز ثقله في العاصمة. و إن الثوار بدأوا يلتمسون الآثار الإيجابية لهذه الخطوة؛ حيث يتم حصد نتائجها في عدة مناطق، وبالتحديد في دير الزور، و الميادين، و إدلب، و حلب.

و أوضح الحمود أن نظام بشار الأسد يعيش حالة إرباك كبيرة، مع احتدام معارك دمشق؛ باعتبار أن للعاصمة أهمية استراتيجية، و أنه بدلاً من أن يرسل النظام قواته إلى المناطق التي تشهد معارك في الأطراف؛ نراه يغادرها متوجهًا بقواته إلى العاصمة، وقد سحب مؤخرًا عددًا كبيرًا من العناصر من حمص باتجاه دمشق، وفقًا لوكالة الأناضول للأنباء.

وقال: إن الجيش الحر شكَّل قطعًا عسكرية اختصاصية بعد أن تم تجميع السلاح الثقيل الذي استولى عليه من مخازن النظام وقواته، و هذه القطع منتشرة في المحافظات كلها، و إنَّ كتائبه تنسق مع بعضها البعض؛ بما يؤثر إيجابيًّا على سير المعارك، حيث بات لديهم دبابات ومدفعية وصواريخ كوبرا، ورشاشات ثقيلة، حصلوا عليها من المعارك مع عصابات الأسد.

و أشار إلى أن أعداد الجيش الحر أكثر من أعداد عصابات الأسد، وأن ثلثي الشعب السوري بات يقاتل إلى جانب الجيش الحر؛ ولم يعد يتكون فقط من العناصر المنشقة، بل يوجد بداخله الآلاف من المتطوعين الشباب.

بالطبع لن تقف العواصم ( الإقليمية، و الدولية ) متفرجة على هذه التطورات الميدانية المتسارعة، فلقد كثر الحديث في هذه الأثناء داخل أروقة القرار الأميركي عن ضرورة قيام واشنطن بالإشراف على توحيد، وتنظيم صفوف ( الجيش السوري الحر ) للتسريع من عملية سقوط الأسد، ولضمان وجود قوة عسكرية يمكنها ضمان أمن سورية بعده، فوتيرة الحرب تتسارع بشكل غير مسبوق، و إن هناك إمكانية كبيرة أن نرى انهيارًا مفاجئًا للنظام على وجه السرعة حسبما يرى فجيفري وايت، الباحث في ( معهد واشنطن ).

و عليه فإنَّ واشنطن تخشى أن تتجه الأمور على خلاف ما تخطط له؛ فهي لا تريد أن يتمكن الثوار من تحقيق انتصارات يفرضون من خلالها رؤيتهم بعد التخلص من نظام الأسد؛ و لذلك نراها ما تزال تتلكأ في الاعتراف بالائتلاف كممثل شرعي وحيد للسوريين، و تمنع وصول الأسلحة النوعية إلى كتائب الجيش الحر بما يمكنهم من فرض منطقة آمنة في المناطق المحررة. لا بل إنها تقنن دخول الأسلحة أيًّا كان نوعها كلما غَنِمَ الثوار من معسكرات قوات الأسد المزيد من الأسلحة؛ حتى لا يصبح بين أيديهم فائضٌ منها يرجح كفتهم في ميادين القتال.

و هي لا تتوانى في السعي لجعل هذه الكتائب تحت نظرها ( تمويلاً، و لوجستيًّا )؛ من خلال إبداء حرصها على توحيدها للتسريع بإسقاط الأسد ـ حسب زعمها.  

وفي هذا السياق، ينقل المعلق في صحيفة واشنطن بوست ( دايفيد إغناتيوس ) عن مصادر مطلعة قولها: إنه من أجل إقامة وحدة عسكرية بين الثوار، ستحتاج وكالة الاستخبارات المركزية إلى الضغط على أجهزة الاستخبارات الصديقة من أجل تجميع تمويلها، و وسائل دعمها الأخرى خلف قيادة موحدة. و يأمل المسؤولون الأميركان في أن تحصل هذه العملية في غضون الشهر المقبل.

لكنَّ المتابعين الأميركيين يعتقدون أن عملية توحيد الجهود العسكرية للثوار السوريين ستكون شاقة ومضنية؛ بسبب التباين في وجهات نظر الجهات الداعمة لها. و هم يرّوْنَ أن هناك جهات تقدم دعمًا أكبر للمجموعات الإسلامية، وهناك جهات قلقة بسبب النشاط الكردي، و هي تحصر دعمها في المجموعات العسكرية التي تتصدى له، وهناك من الثوار السوريين من يتلقّى مساعدات من رجال أعمال عرب من دون المرور بأجهزة الاستخبارات الإقليمية أو الدولية؛ الأمر الذي يُعيق أيَّ مسعى لتحديد من يفعل هذا.

إزاء هذا الذي يجري نقول: إنَّ ما يُخطَّط له لهذه الثورة ليس قَدَرُ الله في الأرض، الذي لا تبديلَ له، أو تغيير؛ فلقدْ قرأنا في تعاليم ديننا السمحة أن الأقدار تتصارع مع بعضها في السماء، و أنَّ الغلبة تكون لمن يأخذ بالأسباب في هذه الحياة. و في ظنّنا أن الشعب السوري لمْ يألُ جُهدًا في سبيل فرض إرادته على من يريد أن يُغالِبه فيما تشهده سورية على مدى سنتين خَلَتَا.