عجز الكبار

عامر أبو سلامة

 ....المسائل الكبيرة والقضايا الملحة التي تعبر عن مصالح الأمة العليا,

تتطلب همم الكبار,الذين على عواتقهم تتحقق {صناعة الحياة } .

وهذا الأمر لا يكون إلا إذا حمله هؤلاء الكبار, الذين يؤتمنون على أهداف المشروع الإسلامي, ذلك لأن هؤلاء هم الذين يعملون بحماس كبير , ويؤمنون بالمشروع الحضاري إيماناً مطلقا, فيحملون هذا العمل الكبير , ويتحملون لأجله المشاق , ويصبرون على غصص ما يصيبهم نتيجة هذا الأمر ,رائدهم في سيرهم على هذا الدرب, الذي سار عليه النبيون والربانيون والصالحون والعلماء والمفكرون, الحسبة في سبيل الله, ابتغاء الأجر والثواب من الله تعالى .

فإذا كان ذلك كذلك, أضاءت الأرض بنور ربها, وازينت بثوب إصلاحها, وشع لؤلؤ خيرها, وتحقق عزها، وساد الفضل في ثنايا أفرادها .

كيف لا! وهم حملة الكتاب والسنة، ومناهج السلف الربانية.

 وسنة الله الماضية، وقانونه الذي لا يتخلف، أن الجزاء من جنس العمل, وكما تدين تدان, وتحصد ما تزرع.( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)

                            *******************

إلا أن المشكلة تكمن في تخلف الكبار العاجزين ,عن حمل هذه الأمانة , والتفاني من أجل تحقيقها ,هذا العجز ستكون له آثاره السيئة, ونواتجه الخطيرة, تمس كل شعبة من شعب الحياة , وتبرز عشاق الظلام, وفي غالب الأحيان نتيجة هذا , يأخذ مكان الكبار أولائك الذين يهرفون بما لا يعرفون؛ لأن الأبطال إذا غابوا عن الساحة, تحول الهواة أبطالاً، بل ربما صار الجاهل طبيباً, والذي يعيش في الأدغال عالم ذرة .

ويا لها من ثنائية غريبة ومدهشة( كبار وعجز)، والضدان لا يجتمعان، ولكن الاستثناء وارد، وخرق العادة حاصل، والمكابرة في هذا الشأن كارثة.

فإذا قلبت الأمور بهذه الطريقة, واختلط توزيع الأدوار على هذه الشاكلة, فانتظر مصائب لها أول، وليس لها آخر، وفي الحديث الصحيح (إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)

فمن الذي يتحمل وزر هذه الجناية ؟

لا شك أن الذي يتحمل وزرها جملة من الجهات منها :

_الثقات الذين عجزوا، فتركوا الساحة لمن هب ودب .

_العلماء الكسالى: وهم الذين لم يأخذوا دورهم، ولم يضطلعوا بأعبائهم، ولم يتحملوا

مسؤوليتهم, التي حملهم الله إياها، إذ هم {ورثة الأنبياء}.

أما أولائك الذين خرجوا عن جادة الصواب، وانحرفوا عن ركب الخير، فهؤلاء يخرجون عن نمط النقد المراد في هذه الكليمات، لأن لهم حديثاً آخر، لا يكون في سياق الفضل هذا.

_الحكام المستبدون:الذين استبدوا بالسلطة، وتعاملوا مع حيثياتها على أنها مزرعة آبائهم, فقمعوا الأحرار, وكمموا الأفواه, وأشاعوا الرعب, وأخافوا الناس, وفتحوا السجون, وخنقوا الحريات، ونظام سورية نموذج صارخ، على صدق هذه الحقيقة، فكم من كبير، غيبته السجون، وكم من صانع حياة، علق على أعمدة المشانق، وكم من موهوب كان مصيره، التشريد والإبعاد، وإرادة الحياة بعزة المؤمن لها ضريبتها، ورحم الله الإمام أحمد، الذي ضرب مثلاً قيضه الله، ليكون منارة عز، في غمار الحياة الصاخبة، التي إنما هي أيام، حبالى يلدن كل عجيب.

( ألم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)

                              *****************

 وهذا كله يتطلب همم هؤلاء الكبار, ليس كبار السن فقط، وإن كانوا جزءاً مهماً في المعادلة، ولكن المقصود بالكبار، كبار العلم، كبار الرؤى, كبار الثقافة, كبار التاريخ, كبار التجربة, كبار التقى والدين, كبار الهمم العالية، كبار الغيرة وحب الدفاع عن الدين.

فمن حباه الله بموهبة العلم وأكرمه به، لا بد أن يكون على مستوى ما رشح له، فيربأ بنفسه أن يرعى مع الهمل، فلا يقعد ولا يتخلف، ولا يتذرع، فضلاً عن أن يتراجع.

وهكذا كل كبير، وفي كل مجالات الحياة.

            وإذا كانت النفوس كباراً            تعبت بمرادها الأجساد

ليحملوا هم هذه الدعوة, ويقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم, ولا يكون هذا إلا إذا نفضوا غبار الكسل عنهم , وعادوا بهمم عالية تدفعهم نحو البذل والتضحية,

يكسبون الأجر والثواب من الله تعالى, وهذا غاية كل من آمن بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.

فيتحول الأمر من عجز الكبار, إلى جهد وعمل الكبار, فيتحقق المراد بعبوديتنا لله تعالى, عقيدة وشريعة، سياسة واقتصاداً, اجتماعاً وحضارة, فكراً وثقافة, عبادة وخلقاً, مباديء وقيماً.