الإسلام والإرهاب

قرأت في تحليل للكاتب د. بشير زين العابدين ورأيت مشاركتكم به – لانه جانب الصواب ....

نشرت مجلة "إكسبرس" الفرنسية دراسة"الجهاد في سوريا" تناولت فيها الباحثة "إليزابيث أوباغي" العلاقة بين الإسلام والإرهاب: أن غالبية أبناء الشعب السوري من حيث مستوى "التشدد" إلى أربعة دوائر تتضمن: "المسلمين"، ثم "الإسلاميين"، ثم "السلفيين"، وأخيراً "الجهاديين"!

وعلى ذلك الأساس قامت الدراسة بتصنيف الكتائب المقاتلة ضمن ثلاثة أصناف؛ فوضعت قيادة الجيش الحر تحت ...

خانة باللون الأخضر ووسمتها بأنها "علمانية"، ثم صنفت كتائب أخرى مقاتلة على أنها "سلفية" بلون برتقالي يتدرج إلى الأحمر (وفق مستوى الخطورة) للإشارة إلى تجمعات وصفتها بأنها: "جهادية"!

أما من حيث المنهجية العلمية؛ فقد تبنت الدراسة مفهوم "العلمانية" باعتباره رديفاً لمفهوم "الاعتدال"، وعلى الرغم من اعتراف الباحثة بأن غالبية عناصر الجيش الحر لا ينتمون إلى أي تنظيم سياسي، وبأن كتائبه تدير المناطق المحررة بطريقة تعكس التسامح التقليدي الذي جبلت عليه الشخصية السورية؛ إلا أنها لا تخفي قلقها من انتشار سمات التطرف المتمثلة في المظاهر الثلاثة التالية:

1- استخدام الكتائب شعارات تحمل معان دينية مثل: "لا إله إلا الله" و"الله أكبر"!

2- إطلاق أسماء ذات طابع ديني أو مستوحاة من التاريخ الإسلامي على الكتائب المقاتلة، كتسمية بعض الكتائب بأسماء مجموعة من الصحابة الذين لا يروق ذكرهم لدى بعض "الأقليات" مثل كتائب: "الفاروق" و"العمري"، بل وحتى "معاوية بن أبي سفيان"!

3- بروز مظاهر التدين الشخصي لدى المقاتلين كالمحافظة على الصلوات، وإطلاق اللحية التي اعتبرتها الباحثة إرثاً "سلفياً" يعكس التوجهات الراديكالية لدى بعض الكتائب!

ولإضفاء الموضوعية في البحث، تستدرك الباحثة بقولها أن بعض القادة الميادنيين معتدلون في توجهاتهم، لكنهم يلجأون إلى إعفاء لحاهم لكسب تعاطف الممولين القادمين من الخليج!

وبعيداً عن أي نظرة أحادية لتحليل دور الدين في التشكيلات العسكرية؛ تعترف جميع الدول الغربية بأن الدين يشكل مكوناً أساسياً في شخصية المقاتل، ولذلك فإن معظم الجيوش في الغرب تتضمن أقساماً خاصة بالوعظ والإرشاد الديني يرأسها عسكريون أو مدنيون يطلق عليهم مسمى: (military chaplain) أي "قسيس العسكرية"، وتعهد إليهم مهمة رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وتوجيههم نحو الالتزام بالأخلاق والمثل التي تنص عليها معتقداتهم الدينية، 

حيث دأبت الولايات المتحدة على إرسال القساوسة إلى مقاتليها في أفغانستان والعراق لرفع المعنويات وحث الجنود على مواصلة القتال، والاستماع كذلك إلى اعترافاتهم!

وهكذا كان في الجيش البريطاني، فإن الكنيسة توفد قساوسة إلى القوات البحرية والجوية والقوات الخاصة، وإلى المقاتلين في الخارج بالتنسيق مع وزارة الدفاع، وكذلك هو الحال بالنسبة لجيوش كل من: فرنسا وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا؛ بل إن منظمة حلف شمال الأطلسي والقيادة العسكرية الأوروبية المشتركة تعقد مؤتمرات تجمع القساوسة العسكريين وتناقش آليات تطوير أعمالهم وتوسيع مهامهم بصفة مستمرة.

وبهذه السخرية بتعامل الغرب مع الشرق الاسلامي الكيل بمكيالين مختلفين فأقول ربما يتعين على الجيش الحر –وفق المعايير الغربية- أن يستعير أسماء مغايرة لإرثه وثقافته كي يثبت تسامحه وانفتاحه على الثقافات الأخرى، فيؤسس كتيبة: "جورج واشنطن"، وكتيبة "توماس جيفرسون" على سبيل المثال. وعندما تخرج أوصال الأطفال المقطعة من تحت ركام المباني السكنية المهدمة على رؤوس ساكنيها بفعل قصف النظام، فإن على مقاتلي الجيش الحر أن يمارسوا قدراً أكبر من ضبط النفس؛ فيمتنعوا عن التكبير أو الحوقلة، خشية استفزاز مشاعر بعض "الأقليات" التي لا تؤمن بعقيدة التوحيد. 

وبدلاً من إطلاق اللحى بهدف كسب تعاطف الممولين الخليجيين، يتعين على قيادة الجيش الحر أن تتجه غرباً لإثبات اعتدالها وبعدها عن الفكر "السلفي" و"الوهابي" فتتعاقد مع شركة "كريستيان ديور" لتصميم بدلات مقاتليها، أو توقع عقداً مع أحد محلات الكوافير بمدينة نيويورك لحلاقة رؤوس المقاتلين على نمط المارينز وذلك للتأكيد على أن مقاتلي الجيش الحر قد نبذوا فكر التطرف، وبدأوا يشعرون بمزايا الحضارة الغربية حتى في أحرج اللحظات الفارقة لديهم بين الحياة والموت.

كتب أحد كبار مستشاري وزارة الخارجية الأمريكية مقالاً يؤكد فيه أن السبيل الوحيد لحل الأزمة في سوريا هو خروج بشار أسد وبقاء نظامه، وللتأكيد على ضرورة الإبقاء على العنصر الطائفي في تركيبة قوى الأمن والجيش قال: "إن الإبقاء على قوات أسد القمعية العلوية هو حل مر المذاق، لكن الحقيقة في سوريا هي أن الخيارات الأخرى هي أسوأ من ذلك".

وفي إشارة إلى تبني الإدارة الأمريكية لهذا الطرح؛ أكد وزير الدفاع الأمريكي خلال جولته الأخيرة في المنطقة على ضرورة المحافظة على بنية الجيش ومؤسسات الأمن في سوريا خلال مرحلة ما بعد الأسد، مشدداً على أهمية الاستفادة من التجربة العراقية في هذا الصدد.

ويظهر من هذه التصريحات ملامح سياسة الإدارة الأمريكية لمرحلة ما بعد بشار أسد؛ والتي تنطلق من محورين رئيسين:

1- تبني السياسية التفتيتية التي انتهجتها في العراق، وذلك من خلال تعزيز دور المجموعات خارج إطار الدول، والتي تقوم على أسس إثنية ودينية وطائفية، وتشجيعها للإسهام في العملية السياسية باعتبارها الضامن الأساس لمنع الحركات الإسلامية من الانفراد بالحكم.

2- المحافظة على البنية التحتية للمؤسسة العسكرية والأمنية (الطائفية-العشائرية)، باعتبارها القوة الوحيدة التي أثبتت قدرتها في المحافظة على أمن "إسرائيل" ومنع الأزمة من الانتشار عبر الحدود. ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إضعاف الجيش الحر، ومنع إمدادات الأسلحة النوعية عن كتائبه حتى لا تكون قادرة على تدمير البنية التحتية لفرق النظام.

ولتحقيق تلك السياسية فإن المؤسسات الغربية تتناغم بصورة ملفتة للانتباه في: مهاجمة التوجهات الدينية (بغض النظر عن اعتدالها)، والتحذير من مغبة إسقاط البنى التحتية للنظام، وتخويف المجموعات السكانية التي تطلق عليها مسمى: "الأقليات" من إمكانية تعرضهم للتنكيل على يد الأغلبية من أبناء المجتمع.

وتتطلب هذه الإستراتيجية غض الطرف عن ممارسات مجموعات طائفية متطرفة من الملتحين المتشددين، الذين يرفعون شعارات تستفز معتقدات الشعب السوري، وتدمر المساجد، وتعتدي على الحرمات، وتمارس القتل والاغتصاب والنهب بصفة منهجية، وذلك لاعتقاد الإدارة الأمريكية بأن هذه التشكيلات الطائفية-العشائرية من: القوات الخاصة، والفرقة الرابعة، وقطعان الشبيحة، هي الضامن الوحيد لسورية ما بعد الأسد، وهي الوسيلة الوحيدة لحماية "الأقليات".

"إن إبقاء لجيش على حالته الراهنة أمر مضر بالمصلحة القومية ضرراً فاحشاً، إذ لا بد من إجراءات عميقة وصالحة كي يصبح هذا الجيش جديراً بحماية أمن البلاد الداخلي والخارجي، ولا بد لنا قبل أن نتطرق للأساليب الواجب إتباعها لإصلاحه أن نقول إن الجيش السوري المحلي قد أنشأه الفرنسيون لا ليكون جيشاً يحمي البلاد ومصالح الأمة إنما كانت غايتهم أن يقمعوا بواسطته كل حركة وطنية أو قومية تقوم في هذه البلاد وقد اتبعوا في أمر تشكيله ما اتبعوه في تطبيق المبادئ المكيافيلية سواء في السياسة أو الاجتماع، فألفوه فرقاً على أساس النعرات الطائفية والعنصرية، فكانت هنالك قوى درزية وعلوية وأخرى شركسية إلى آخر ما هنالك".

بينما ترى بعض القوى الخارجية الغربية أن بقاءه هو الضمانة الوحيدة لمصالحها في المنطقة.

أليس هذا هو التطرف بعينه؟