اِنْعِكاسُ المواقفِ، و التَّحركاتِ الأخيرةِ على المَشْهدِ السُّوري

اِنْعِكاسُ المواقفِ،

والتَّحركاتِ الأخيرةِ على المَشْهدِ السُّوري

محمد عبد الرازق

شهدت الساحة الإقليمية في اليومين الماضيين جملةً من المواقف، و التحركات السياسية حرَّكت المشهد السياسي الراكد الذي خيم على الساحة السورية مؤخرًا.

و كان من ذلك:

ـ تصريح الوزير ( أوغلو ) الذي ذكر فيه عدم ممانعة المعارضة السورية من تولِّي ( فاروق الشرع ) مرحلة انتقالية في سورية.

ـ و تصريح آخر له حول رغبة المسؤولين الإيرانيين بإجراء محادثات مع الأطراف المعنية حول المرحلة الانتقالية في سورية.

ـ تصريح نائب وزير الخارجية الروسي عن أن روسيا ليست متمسكة بالأسد، و ما يعنيها هو منع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول.

ـ تصريح وزير الدفاع الأمريكي ( بانيتا ) عن إرسال (150 ) جندي أمريكي لمراقبة الترسانة الكيمياوية في سورية، و التدخل حين فقدان السيطرة عليها من قبل النظام. و هو الأمر الذي نفته الأردن.

ـ زيارة رئيس وزراء العراق ( نوري المالكي ) إلى موسكو، و عقد صفقة سلاح معها بما يقرب من ( أربعة ) مليارات دولار.

ـ ما كشفته الصحف الأمريكية عن قيام حكومة المالكي بتزويد نظام الأسد بشحنات من النفط، و بأسعار تفضيلية تصل إلى نصف القيمة خلال الأشهر الماضية؛ بموجب اتفاقية عقدت بينهما منذ عدة أشهر. 

ـ استقبال سمو أمير دولة قطر لرئيس الاستخبارات السعودية ( الأمير بندر بن سلطان ).

ـ قيام وزير الخارجية الإيراني بزيارة الدوحة في أثناء وجود هذا الأخير.

ـ قيام المبعوث الأممي، و العربي المشترك في سورية ( الأخضر الإبراهيمي ) بزيارة السعودية، و لقائه مع المسؤولين هناك في مدينة جدة.

ـ قيام الحكومة التركية باعتراض طائرة الإيرباص السورية ( 320 )، القادمة من موسكو، و إجبارها على الهبوط في مطار ( أضنة )، و إخضاعها للتفتيش، و مصادرة جزء من حمولتها الحاوية ذخائر روسية، و أجزاء من أنظمة الصواريخ ـ حسب تصريح الخارجية التركية، و هو ما أعاد تأكيده رئيس الوزراء ( أردوغان ) قبل ساعات في أثناء لقائه الرئيس الكازاخي ( نور سلطان ).

ـ و كان آخرَها نفيُّ حزب الله القيام بإرسال مقاتليه إلى سورية، حسبما صرَّح الليلةَ أمينُه العام السيد ( حسن نصر الله ).

إنَّ هذه الأمور تشير إلى أنَّ الأمور في سورية آخذة بالسير نحو محطات محددة حددتها الأطراف الفاعلة على الصعيد الميداني، غير أن هذه الأطراف تودُّ جرَّها نحوها قدرَ الاستطاعة؛ فروسيا باتت محرجة من الحديث عن دعمها للأسد، في الوقت الذي ذهبت فيه وعوده بالقضاء على الثورة أدراج الرياح. لا بل وصلت آثارها إلى مسقط رأسه ( القرداحة )؛ فالصراع ( العلوي ـ العلوي ) آخذٌ بالتمدد؛ الأمرُ الذي قد يفاجئ النظامَ قبل حلفائه بتطورات دراماتيكية غير مضمونة النتائج.

و عليه فإنها قد قامت بتكليف عدد من شركات العلاقات العامة بتحسين صورتها المهتزة من جراء ذلك؛ إلاَّ أنها قد رضخت للرشوة الإيرانية التي قدمها لها ( نوري المالكي ) بعدما باتت العقوبات الإقتصادية تلقي بثقلها على قيمة الريال الإيراني؛ من أجل أن تستمر في دعمها لنظام الأسد ( عسكريًّا )، و لا ضير في صدور بعض التصريحات الدبلوماسية على لسان مسؤوليه، على غرار ما كان من تصريح نائب وزير الخارجية الذي أشار فيه إلى عدم تمسك الروس بالأسد.

و قد جاء مفعول هذه الرشوة سريعًا، و تجسَّد في إرسال الطرود العسكرية برفقة عددٍ من رجال الاستخبارات، و المستشارين الروس عبر طائرة الإيرباص السورية؛ غير أنَّ ما فاجأهم هو قيام حكومة أنقرة بناءً على معلومات استخباراتية بإنزالها، و التحفظ على هذه الشحنات المخالفة لبوليصة التأمين التي بحوزة الطيار، و قد سبب هذا حرجًا للقيصر الذي يريد أن يظهر بلبوس القديسيين من خلال حملة العلاقات العامة التي بدأها مؤخرًا، و لعلَّ الحرج الأكبر له هو انكشاف هوية عملائه السريين ( الثلاثين ) الذين كانوا برفقة الأنظمة الإلكترونية، و الصاروخية في تلك الرحلة المدنية الخالية من أي راكب مدني، ما عدا طاقم الطائرة ( خمسة سوريون )، و قد يكونون غير ذلك. و هذا ما جعل الروس، و نظام الأسد في حالة هيجان، و عصبية، و أخذوا يلحون على استعادة الشحنة المصادرة، في الوقت الذي كان فيه الأتراك في وضع مريح بعدما وضعوا في أيديهم ما يدين الروس أمام المحافل الدولية؛ بسبب التزوير الذي أقدموا عليه في أمر الشحنة، و تهديدهم بكشف حقيقة المرافقين لها.

و فيما يتعلَّق بزيارة كلٍّ من: الأخضر الإبراهيمي إلى جدة، و الأمير بندر، و وزير الخارجية الإيراني إلى قطر، و تصريح الوزير ( أوغلو ) عن تولي ( فاروق الشرع ) المرحلة الانتقالية، و عن مساعي طهران للتباحث مع السوريين حول المستقبل السياسي لسورية، و تصريح نائب وزير الخارجية الروسي عن عدم التمسك بالأسد؛ فإنَّ الأمور على ما يبدو قد بدأت تتجه إلى إنضاج حلٍّ إقليمي تتبناه الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري ( المجموعة الرباعية ) بمبادرة من مصر، يتولى فيه ( الشرع ) المرحلة الانتقالية، و هو الأمر الذي تشير التقارير أنه يلقى ارتياحًا من ( روسيا )؛ كونه محسوبًا عليها، و هي تفضله على أيّ حل قد تُلجأ إليه في حال استمرت الأمور على المستوى الميداني في الاتجاه الذي هي سائرة فيه باتجاه فرض سيطرة أقوى للمعارضة، و لاسيما بعد دخول العنصر العلوي في معادلة الصراع.

و وفق هذا يوضع تصريح الأمين العام للأمم المتحدة ( بان كي مون ) بأن الإبراهيمي ذاهب إلى دول المنطقة ـ بعد سُبات ـ من أجل وضع النقاط على حروف مبادرة يسعى للاتفاق عليها مع دول الإقليم، و من بعد ذلك ينتقل إلى دمشق ليضعها أمام الأسد كأمر واقع.

و يرى المراقبون أن رد الأسد لن يكون إيجابيًّا في حال تضمنت هذه الخطة أيَّة إشارة ، و لو من بعيد إلى تنحيه على الطريقة اليمنية، أو على أية طريقة أخرى؛ فالأسد حسب منظور هذا النظام باقٍ إلى الأبد، و هو سيقاتل طالما يجد من الأصدقاء من يمده بما يحتاج في مواجهة الشعب، بدءًا من ( هوغو تشافيز )، الذي أعلن فور فوزه بالاِنتخابات قبل يومين أنّه سيقف إلى جانب صديقه الأسد في معركته ضد الإمبريالية الأمريكية. و وصولاً إلى طهران، و أدواتها في المحيط السوري ( المالكي، و السيد حسن )، الذين يرَوْن في ذهاب الأسد تفكُكًا لنظام يُنظر إليه على أنّه قاعدة المثلث الصفوي في المنطقة.

إنَّ ما يجري من هذه التحركات لا يشي بكثير خير للشعب السوري، الذي خذله أصدقاؤه بانتظار ( السادس من نوفمبر )، و تكالب عليه أعداؤه من بقايا الأنظمة الشمولية في العالم، و دعاةُ الإمبراطورية الصفوية؛ فكان منهم أن قدموا للأسد من الدعم ( اللوجستي، و السياسي ) ما لم يحظَ به دكتاتور على مدى التاريخ القديم، و الحديث.

غير أن كل هؤلاء بمثابة المتحوِّل في الثورة السورية، و أمَّا السوريون الطامحون للحرية فهم الثابت الذي يُمثِّل قُطبَ الرَّحى في معادلة الصراع التي ستُخرج كل أولئك من المنطقة في هيئة أقلَّ ما يقال عنها: إنَّها مُذْرِيَة.