الإصلاح يبدأ من الطفولة

صالح خريسات

 معظم الدراسات العربية، النظرية منها، والميدانية، تلقي باللائمة على الأسرة العربية، وتتهمها بالتقصير، في تربية النشء العربي المبدع . ولكن من قال أن الأسرة العربية، بالوضع القائم الآن، تصلح لتربية النشء العربي، وإعدادهم إعدادا سليما للمستقبل؟!

 إننا نحتاج إلى إصلاح اجتماعي، يلغي طرائق التفكير البدائية، الموروثة لدى الآباء والأمهات، ونمنع انتقالها إلى الأبناء. إننا يجب أن نلغي التصور السائد لدينا، بأن الطفل كائن سلبي، ومهمة التربية والتعليم، بمساعدة الأسرة، هي فرض المعارف على ذهنه.

 كما أن التمجيد العاطفي للطفل، في الأسر المترفة، حيث يترك الطفل على هواه، يلتقط بنفسه ما يهوى ويحب من معلومات، أمر في غاية الخطورة. إن كلتا النظريتين، قائمتا على علم نفس فاسد.

فالنظرية الأولى، أفرطت في الاستهانة بذكاء الطفل الفطري، والنظرية الثانية، غفلت عن أن الطفل، لا يزال في دور غير ناضج.

 إن التربية السليمة، ينبغي أن تتولى الانتقال بالطفل، والبالغ، من تجربة غير ناضجة، إلى تجربة أنضج، قائمة على ذكاء الطفل، أو البالغ، ومهاراته. ولا نقصد بهذا، صرف التربية والتعليم، عن التزويد بالعلوم والمعارف، بل نلفت الانتباه إلى هذه الواقعة، وهي أن الطفل، مخلوق مولع بالنشاط، محب للاستطلاع والاستكشاف. والطفل ليس قابلاً للتشكيل كما يشاء المربي، وليست استعداداته، ومواهبه، ثابتة، ومحددة كذلك. بل إن وظيفة التربية، هي تشجيع العادات والاستعدادات، التي تكون الذكاء.

 إن السنوات الست الأولى، من عمر الطفل، أهم من السنوات اللاحقة، وبخاصة الناحيتين الوجدانية، والاجتماعية. فالاتجاهات، والقيم الاجتماعية، والعادات النفسية، والفكرية، للطفل، جذورها وقاعدتها، تمتد إلى الأسرة. والوالدان يؤثران بصورة مباشرة، وغير مباشرة، وخصوصاً الوالد بالنسبة للولد، والأم بالنسبة للبنت. وهكذا لا نتوقع أن تنمو في أبنائنا وبناتنا، اتجاهات اجتماعية سليمة، وعادات فكرية علمية، مهما بلغت إصلاحاتنا في النظام التعليم، والمؤسسات التربوية الأخرى، ما لم يتجه الاهتمام إلى الأسرة "الوالدين".

 وهنا تأتي أهمية الإصلاح الاجتماعي، والتطور بالمفهوم الحضاري. عندئذ سيكون الطفل، هو الوسيلة والغاية، في التنمية والتغيير، في أيد أمينة، قادرة على تربيته، وتوجيهه الوجهة العلمية السليمة، بعيداً عن التعصب، والأنانية، والانفعال، في مجابهة المشاكل، وممارسة الحياة.