الثورة و أنا

معاذ عبد الرحمن الدرويش

الثورة و أنا

معاذ عبد الرحمن الدرويش

[email protected]

على الرغم من كل الانسحاق الذي كنا نعيشه – لذواتنا- طيلة فترة حكم المجرمين لسوريا،إلا أن حالة "الأنا" كانت منتبجة في داخلنا إلى حد  الإنفجار،وذلك بسبب هيكلية الدولة و المجتمع الذي  كنا نعيشه  بشكل يومي و دائم و المبني بناء كاملاً على الأنا و اضمحلال مفهوم نحن و غيابه عن حياتنا غياباً كلياً.

فالوطن برمته مختصر بشخص واحد فقط ، و قد تم ترفيعه بمرسوم جمهوري إلى رتبة الرب ،و ما تبقى من بعده مجرد أقزام و عبيد لا كيان و لا وجود لهم،إلا بقدر ولائهم لذلك الرب.

فالعمل الجماعي من المحرمات و الفكر المشترك من الكبائر إذا لم يكن يصب في خانة التقديس و التأليه لرب الوطن.

و إذا أردت الظهور و النبوز على حساب التقزم الذي تحياه ،ما عليك إلا أن تسبح بحمد رب الوطن و تقدس له صباح مساء.

و لهذا تجد أن الشغل الشاغل للناس هو حقن "أناهم" بهرمونات الكذب و الخداع و النفاق و الأنانية و النصب و الاحتيال لعلها تكبر و تنتبج قليلاً  و تبرز فوق  أقزام الوطن ،أو على الأقل الإنتقال من حالة القزم المسحوق إلى حالة القزم الظاهر.

لهذا  فإن حالة الأنا كانت منتبجة إلى درجة العملقة داخل معظم أقزام الوطن.

هذه الورثة الكبيرة من الأنا،أرخت بحملها الثقيل علينا أثناء الثورة،و أعاقت حركتنا في كثير من الأحيان.

فالكثير من الأشخاص رغم أنه التحق بركب الثورة إلا أن "أناه المترهلة"لا زالت تجرجر خلفه و تشد به إلى الخلف.

تبطئ حركته مما تجعل منه عائقاً أمام حركة الثوار الذي تخلصوا من "أناهم" و انطلقوا مسرعين إلى المجد و العلا ، بعد أن تحولوا إلى عظماء سيسطر التاريخ أسماءهم على مر الأجيال.

الثورة هي بالأساس ثورة على النفس،ثورة على "الأنا المنتبجة ظاهرياً المتقزمة حقيقة" ،فأول خطوة من خطوات الثورة هي أن تثور على نفسك أن تتغلب عليها ،أن تعاند كل الأشياء السلبية العالقة بها من أنانية و حب الذات و الحسد و البغض و غير ذلك ،و الإنتقال من مفهوم ال" أنا" إلى مفهوم ال "نحن" و كل من لم يستطع أن يتغلب على "أناه" فثوريته ناقصة و غير مكتملة .

هذا نفسياً،أما عملياً ،فيجب علينا تفعيل عمل الجماعة و محاربة الأعمال الفردية ،و إلغاء كلمة قائد أو رئيس إلا في مواقع القتال المباشر لضرورة العمل العسكري.

لنجعل من كل تجمعاتنا الثورية المدنية منها و العسكرية أنموذجا حضارياً في العمل الجماعي و المؤسساتي، و لنحول أي إدارة أو قيادة إلى مجالس بدلا من أفراد ، لنتشارك بالفكر و العمل و لنتقاسم رغيف الخبز و نتشارك ساعة  الحزن و لحظة الفرح ،و نسير معاً إلى خلاصنا الأكيد و نصرنا المنشود واثقين بالله اولاً و بإرادتنا و عزيمتنا و محبتنا و تفانينا ثانياً.