كهنة آمون .. والجلوس مع الرئيس!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

ما كاد يصدر بيان المثقفين الإسلاميين حول لقاء الرئيس مرسي بمن يسمون المثقفين والفنانين ، حتى ثارت ثائرة أهل الحظيرة ، في الصحف والقنوات الفضائية

، وهاجوا وما جوا ، وأفرطوا في غطرستهم وعنجهيتهم ، واتهموا المثقفين الإسلاميين باتهامات غليظة أصدروها باستعلاء ذميم !

لا يهدف المثقفون الإسلاميون إلى الحصول على غنائم من وراء مقابلة الرئيس الإسلامي لمصر ،ولا يسعون إلى استعراض شخصي أو ذاتي بحضور لقاء يفترض فيه أنه لقاء قومي يمثل مصر كلها وليس الحظيرة الثقافية التي صنعها النظام الفاسد وغذاها ونماها على امتداد ربع قرن ، ولكنهم كانوا يريدون أن يكون اللقاء معبرا عن الثقافة الحقيقية وأهلها وليس قاصرا على ذلك الفصيل الشيوعي المعادي لله ورسوله ، فضلا عن كونهم كانوا يهدفون إلى دعم الرئيس ورفض الابتزاز الذي يستخدمه عملاء النظام البائد وصنائع أمن الدولة ، بإثبات أن مصر فيها عشرات الألوف من المثقفين الحقيقيين الذين يملكون المعرفة والعلم والتحصيل الدائم ، وأن مصر العظيمة ملأى بمن يصنع وجدانا وطنيا إيمانيا يبني ويعمل وينتج ويبدع ؛ ولكن مؤسسة الرئاسة وقعت ضحية خديعة رخيصة لوزير الثقافة الحظائري الذي قدم لها أربعين ومائة اسم من الحظيرة وأتباعها لتختار الرئاسة منها مائة شخص ، ثم يخرج هو على الناس ليقول : أنا لم أختر أحدا . الرئاسة هي التي اختارت !

لقد خرج كهنة آمون بعد اللقاء ليواصلوا غطرستهم وابتزازهم الملفوف بالمكر والدهاء من قبيل :«مرسي» يطمئننا على مدنية الدولة.. وهناك من يريد هدم الثقافة المصرية! إنهم يقصدون الإسلاميين بلا ريب . فقد أبعدوهم عن الثقافة ستين عاما ، واستأصلوهم في الثلاثين الأخيرة ،ولا يريدون منهم أن يقتربوا من النشاط الثقافي ، لأنهم سيقللون من تكسّبهم بالثقافة الحظائرية السطحية المبتذلة ، وسيقدمون للناس من الأدب والفن ما يكشفهم ويضعهم في حجمهم الحقيقي ، ولذا يسبقون بالصوت العالي للتشويش والتشويه والازدراء. 

كهنة آمون في غطرستهم لا يعترفون بغير أنفسهم ، ولا يؤمنون إلا بذواتهم ، وها هو أحدهم يقلل من بيان المثقفين الإسلاميين، الذي استنكر اللقاء مع مثقفي الحظيرة الذين يهاجمون الإسلام ، ويؤكد أنه قرأ البيان ولا يعرف أي اسم من الأسماء التي وردت في البيان، وأن ما فهمه أنهم أساتذة في بعض الكليات والجامعات، وأنه لم يقرأ لأي أحد منهم.

وهذا الجهل الأحمق يؤكد أنه ليس مثقفا ، وأنه لا يقرأ ، وأنه عريق في الغطرسة والعنجهية ، فالذين وقعوا على البيان ممن لا يعرفهم من أشرف المثقفين وأعظمهم إنتاجا وتأثيرا وخاصة في الجهات المعادية للإسلام والحرية والعقل ، التي يخدمها كهنة آمون في معبد الأصنام والوثنية .. خذ مثلا الدكتورة زينب عبد العزيز أستاذ الحضارة الفرنسية بالجامعة . لقد قدمت أجمل وأعظم ترجمة لمعاني القرآن إلى الفرنسية ، وهي ترجمة أشاد بها كبار المستشرقين الفرنسيين وغيرهم ، عدا عشرات المؤلفات التي تدافع عن الإسلام وتفضح مخططات التنصير والصهيونية والفاتيكان ضد الإسلام والمسلمين .وبالمثل الدكتور إبراهيم عوض أستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس ، وله ما يزيد عن خمسين كتابا في التخصص والترجمة من الفرنسية والإنجليزية إلى العربية ، فضلا عن الدفاع عن الإسلام والمسلمين وتصحيح المفاهيم . وكذلك الدكتور خالد فهمي أستاذ علم اللغة بجامعة المنوفية الذي يقدم نموذجا للمثقف الإسلامي الواعي بأحدث ما وصل إليه العلم في تخصصه الدقيق بالإضافة إلى مشاركاته في الحياة الأدبية الحقيقية - وليس الحظائرية – بفهم وعمق واضحين عدا ما قدمه من مؤلفات وترجمات عن الإنجليزية واللغات الشرقية، ولن أتكلم عن الدكتور محمد عباس الذي واجه الطاغية المخلوع في أوج قوته وقوة أبواقه بمقولته الشهيرة : من يبايعني على الموت؟ فكشف حقيقة النظام المستبد صانع الحظيرة وراعي كهنتها ، وأثبت أن ديمقراطيته أكبر أكذوبة في التاريخ ..

معذرة لن أستطيع أن أقدم لكهنة آمون عددا كبيرا من المثقفين الإسلاميين الذين لا يعرفهم الحظائري الجهول المتحول دائما وفق بوصلة مصالحه ومكاسبه الحرام ، ولكني أذكره ونجوم الفريق الحظائري بمثقفين حقيقيين موهوبين في مصر الإسلامية ، وأبين له أن الحظائريين لا يملكون مواهب خارقة  ولا معارف أو علوما ليست عند الإسلاميين .

أريد فقط الإشارة إلى كتاب مهم ألفه صحفي يساري اسمه أسامة عفيفي ، عنوانه " الملفات السرية للصحافة المصرية" وفيه يفضح حجم المؤامرة والتخريب الفكري الذي تعرضت له الأمة وما تزال. كما نتعرف فيه على مثقفي الحظيرة الذين يتصدرونها الآن وهم بقايا شراذم من الشيوعيين والناصريين والبعثيين والمتحولين دائما . وهذا الكتاب نشر في إحدى الصحف المهاجرة في فرنسا ، وطبع طبعة محدودة متواضعة في مصر لأن من بيدهم الأمر – فيما يبدو – يخشون أن تتبدد الهالة الزائفة التي صنعها النظام الأمني لعامل نسيج بالإعدادية وتومرجي يحمل شهادة دبلوم محو الأمية ومتسلق يحمل دبلوما للمعلمين ( ثلاث سنوات ) وبائعا سريحا يحمل الابتدائية وباحثا اجتماعيا في أقسام الشرطة يحمل دبلوم خدمة اجتماعية ( سنتان )، وساع للبريد يحمل ابتدائية ، وتاجر خضروات وفواكه معه ابتدائية أزهرية و...غيرهم ممن صدرهم النظام ليكونوا معارضة كرتونية له ، مقابل محاصرتهم وتحقيرهم للإسلام وقيمه وتشريعاته ، وترويجهم للتغريب والعلمانية والحداثة وتصورات الغرب الاستعماري .

إنني لا أزدري من يحملون شهادات متواضعة ، فالشهادة المتواضعة لا تحول دون الثقافة الرفيعة ، وقد كان العقاد – رحمه الله - يحمل الابتدائية ، ولكنه ارتفع إلى عنان الفكر وسمائه بإصراره وجديته ، وقبل ذلك التزامه الخلقي بمبادئ الحرية والكرامة والاستقلال ، مما دفعه في بعض الأحيان إلى بيع مكتبته ليأكل بها ، أما هؤلاء الذين تواضعت شهاداتهم ومعارفهم وجعلتهم السلطة المستبدة الفاشية يتصدرون المشهد الثقافي دون الأكفاء ، فلم يبيعوا مكتباتهم ليأكلوا ، ولكنهم أخذوا من السلطة ما استطاعوا من العطايا الحرام فامتلأت بطونهم حتى بشموا ،وهم اليوم يسخرون من المثقفين الإسلاميين ويرون أنفسهم أوصياء على الثقافة المصرية والأحق بلقاء الرئيس الإسلامي ، بل والاعتذار عن عدم تلبية الدعوة لأنه ( يُأخْوِن ) البلاد والعباد !