أبونا بوش نبيل في أهدافه!

أبونا بوش نبيل في أهدافه!

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

عجبت لهذا المفكر - أو الكاتب - الذي يوصف بالكبير إذ كتب في سياق إحدي مقالاته : إن الولايات المتحدة - فيما أقدمت عليه في العراق - كانت نبيلة الغاية إجرامية الوسيلة. وراح صاحبنا في مقاله يشرح هذه «الحكمة الغالية» فيقول: إن الهدف الذي حرصت الولايات المتحدة علي تحقيقه من بداية التسعينيات هو القضاء علي صدام حسين ونظام حكمه, وهو هدف نبيل في ذاته, فقد ذاق الشعب العراقي من دكتاتورية صدام وحزبه مالم يذق مثله من قبل - علي مدار التاريخ ـ , إذا استثنينا التتار".

 ويواصل الكاتب - الذي يوصف بالكبير - «ولكننا كنا نتمني لو تحقق هذا الهدف دون تفجير هذا الحمام من الدم الذي غرق فيه آلاف من الضحايا ."

 وللأسف رأيت صاحبنا «الكبير» يكاد لا يري أبعد من أنفه, أو - بتعبير آخر - لا يري من الأمور إلا سطوحها الظاهرة, فهو يخلط بين الأهداف الحقيقية الخفية, والأهداف الظاهرة المدعاة, وبتعبير أدق : غاب -أو غيّب عنه - الأهداف الحقيقية, فكأنها لا وجود لها. ولم يعد يري إلا ما تدعيه عصابة الشر البوشية من " أهداف نبيلة» !!!.

أما الأهداف الحقيقية فمن أهمها:

 1- الاستيلاء علي آبار النفط العراقي, ونهبها.

 2- تحقيق أمن إسرائيل بالقضاء علي أقوي قوة عربية كانت تهددها, وعزل العراق الدولة عن القضية الفلسطينية, فلا يكون له أثر أو ثقل - ولو كان محدودًا - في الانتصار لهذه القضية, والوقوف إلي جانب الشعب الفلسطيني. والمثل يقول: "عاجز كالميت من كان جريحًا أثخنته الجراح".

3- اتخاذ العراق قاعدة أساسية لضرب الدول التي لا تستجيب لأوامر محور الشر.

 4- تجربة أسلحة جديدة لم تجربها أمريكا من قبل ولا حتي في أفغانستان.

 5- إظهار «العين الحمراء», أي إرهاب الدول العربية الأخري, ووضعها في إطار «الشعور الدائم بالرعب» بحيث لا يكون أمامها إلا الاستسلام للطاعة العمياء.

ولعلنا نذكر حكاية الرجل «القرداتي» الذي كان يرتزق من الألعاب والحركات التي يؤديها القرد أمام الجمهور. وذات يوم بدأ القرد يُضرب عن العمل, وحاول صاحبه بشتي الوسائل أن يدفعه إلي استئناف العمل, دون جدوي, وهذا يعني انقطاع المورد الوحيد لرزقه. فلجأ القرداتي إلي ذبح كلبه الصغير أمام القرد الذي رأي المنظر, فانخلع قلبه, وعاد سيرته الأولي في الألعاب والحركات علي نحو أكثر نشاطًا وإتقانًا.

وآمل أن ينظر القارئ إلي هذا المثل في صورته الكلية, وما يعكسه من دلالة, بصرف النظر عن مفرداته وفصوصه.

 أما هدف الأهداف -الذي يصر محور الشر الأمريكي- البريطاني - علي إنكاره, فهو ضرب الإسلام, وحصٍر قيمه ومبادئه في أضيق نطاق وعزله عن واقع الحياة.

وواضح أن كل هذه الأهداف تصب في مصلحة إسرائيل , وواضح -كذلك- أن هذه الأهداف, أو الغايات لا تتمتع بذرة واحدة من النبل, بل هي تشترك مع الوسائل في الخسة والنذالة, والعدوانية. ومن ثم كان حكم الكاتب «الكبير» ناقضا للواقع والمصداقية.

***

 ونحن ضد صدام ونظامه في الحكم, ونحن - كذلك وبصورة أقوي - ضد هذا الاستعمار الانجلو أمريكي الجديد, ونري أن العمل علي إسقاطه «فرض عين» علي كل مسلم ومسلمة, كل بقدر إمكاناته وقدراته. ولكننا من ناحية أخري ضد «الشماتة» في صدام بما آل إليه اعتمادا علي قول من قال «أنا نصحته بترك الحكم حتي يتفادي الشعب العراقي هذه الخسائر الفادحة في الأرواح والأموال والبنية التحتية, واحتلال أرضه». ونسأل الشامتين الذين يرددون هذه العبارات -في سعادة وتلذذ-: لو كان أحدهم مكان صدام هل كان يستجيب لطلب التنحي? وهل كانت أمريكا ستترك العراق لأهله لو استجاب صدام? . أقول إن احتلال العراق «مجرد بداية» لمخطط طويل المدي لأمركة كل شيء في حياتنا – سياسة واقتصادا وعلما وتعليما وعبادة - والخطوة التالية بدأت ملامحها تتضح في اتهام بوش ورجال حلفه لسوريا بامتلاك أسلحة كيميائية.. ومساعدة صدام ورجاله.. وتهريب السلاح إليهم..وضلوعها في اغتيال الحريري .. إلخ

وبدلا من الشماتة -عليكم- يا حكام العرب أن تسألوا أنفسكم لمن توجه الضربة القادمة?, فالنَّهم البوشيّ لن يقف عند حد, وهو مصرّ علي تحقيق أهدافه الخفية والظاهرة , وهو يورث من يأتي بعده كل هذه الطوابع .

وما عليكم –ياحكامنا وقادتنا الأشاوش- إلا أن تسلكوا طريقا من اثنين:

 الأول: أن تعودوا إلي شعوبكم وتعيدوا إليها حقوقها «الآدمية» وأهمها الحرية بمفهومها الشامل, حتي يظاهروكم إذا وقعت الواقعة.

 والثاني: أن تتخلوا عن كراسي الحكم, ليحكم الشعب واحد يجمع عليه الشعب في انتخاب «نظيف» نزيه لا تزوير فيه ولا ادعاء. وهذا ما قلناه من قبل, ومازلنا نقوله ونردده.

افعلوها.. بالله عليكم ونصٍب أعينكم مصير كل من هتلر, وموسوليني, وشاوسيسكو, وصدام حسين.. وفي النهاية أسوق. أو أسليكم بالطرفة الآتية:

في يوم وقفة عيد الأضحي -وكان ذلك في مزرعة واحد من كبار الملاّك- وقف الديك الرومي يضحك ويهلل مظهرًا الشماتة في الخروف الذي أُعد ليُذبح كأضحية, ولكن الخروف قابل ضحك الديك بضحك أعلي وأقوي. فتعجب الديك الرومي وقال للخروف: أتضحك مع أن نهايتك في الغد?! قال الخروف: نعم شماتة بشماتة.. فالكريسماس (عيد الميلاد) بعد غد.(والمعروف أن الديكة الرومية تُذبح في احتفالات عيد الميلاد(