حرية الرأي وحرية الاعتداء والسفه

أحمد الجمّال الحموي

أحمد الجمّال الحموي

إذا كان حكام الغرب ومثقفوه لا يفرقون حقا بين حرية الرأي وحرية السفه وإهانة الاخرين فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا وإن كانوا يفرقون ويتجاهلون فهم أغبياء يعتدون على غيرهم عامدين ويحسبون أن الآخرين لا يفهمون .

إذا قال أحد لغيره أنا لا أراك أهلا للوزارة فهذا رأيه سواء أكان صواباً أم خطأً والمشكلة هنا يسيرةٌ لكن إذا قال لغيره أنت تافه أو حقير فهذا عدوان وتطاول على الناس وليس رأيا .

وإذا قال قائل إنه لا يؤمن بحجاب المرأة فهذا رأيه لكن إذا سخر من المحجبات ومنع النساء بقوانين أو بالقوة من الحجاب فهذا عدوان ومصادرة للحرية يقرب من أن يكون إرهابا وليس رأيا .

وإذا قال إنسان ما أنا لا أعتقد أن محمدا (صلى الله عليه وسلم ) رسول موحى إليه فهذا رأيه الذي سيجازى عليه يوم القيامة أما إذا تطاول على هذا الرسول الكريم فهذا ليس رأيا وإنما هو وقاحة وحقارة وعدوان وهو ليس عدوانا على إنسان واحد بل هو عدوان على ما يقرب من ملياري مسلم في العالم .

فهل يرضى هذا التافه الذي يتطاول على أعظم الخلق أن نشتمه هو أو نشتم أباه أو شيئا له في نفسه مكانة واحترام فإذا كان لا يرضى بهذا وما أظن أحدا يرضى به فكيف يريد بعض الغربيين إهانة المسلمين جميعا بالتطاول على نبيهم مستغلين حرية الرأي والتعبير .

إن الفرق كبير بين حرية الرأي الذي هو رأي حقاً وبين حرية الإهانة والإيذاء والسخرية ويزيد الطين بلةً أن هذه الإهانة وهذا العدوان مبنيان على الكذب والافتراء وليس لهما من الصواب أدنى نصيب .

إنّ ما فعلته صحيفة شارلي أبيدو بعد أن سبقها إلى هذا العدوان الوقح صحف أخرى يدلّ دلالة واضحة على أمور تتضمن إدانة للفاعلين منها :

إنّ تلك الرسوم تدلّ على الجهل الأسود بالاسلام ونبي الإسلام جهلا يزري بصاحبه.

وتدلّ تلك الرسوم على نفوس خسيسة تنضح بالحقد والكراهية .

 وتدلّ أيضا على الاستخفاف بالآخرين وازدرائهم .

وتدلّ على عداوة متأصلة لأمتنا نابعة من ثقافة فاسدة تغذيها موروثات تاريخية همجية مغلوطة .

وتدل على اختلال في موازين العدل وعلى انتقائية تدين صاحبها وتحط من قدره .

 

خبروني هل هناك من أقدم من الغربيين على رسم موسى أو عيسى عليهما السلام رسوما مسيئة ، وما هو موقف اليهود والنصارى إذا حدث هذا .

إنّ الكنيسة برّأت اليهود من صلب المسيح عليه السلام ( ونحن نعتقد جازمين أنه لم يصلب ) وجاءت البراءة بعد أن مرت قرون والكنيسة تردد هذا الاتهام وتعتقده وجاءت البراءة  مراعاة لمشاعر اليهود وتوددا إليهم .

ثم هل تكون المحرقة أكثر قداسة من نبينا صلى الله عليه وسلم ، ألم يحاكم الغرب المفكر الكبير روجيه جارودي لأنه تجرأ على دراسة المحرقة وبيّن ثغرات تلك القصة فلماذا تعطلت حرية الرأي هنا عند أدعياء حرية الرأي بل ذهب الغرب إلى أبعد من ذلك فشرع قوانين تعاقب من يقول رأيه في المحرقة وهكذا طارت حرية الرأي هنا كما طارت في مواضع أخرى .

وهل أقدَمَ مسلم حقيقي في الماضي والحاضر على الإساءة لنبي أو رسول بالقول أو الفعل . والغربيون لا يعلمون أن المسلم الذي يسيئ إلى أي نبي يعتبر مرتدا عن الإسلام فحسبهم هذا التفاوت بيننا .

هل انتقص الإسلام أو المسلمون من مكانة موسى عليه السلام على الرغم من أن اليهود لم يفتُروا عن محاربة الإسلام ورسول الإسلام منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى أيامنا هذه بل إن القرآن الكريم يشيد بالأنبياء والرسل جميعا ويذكُر كل واحد منهم بأفضل ما فيه من خصال .

هل يجرؤ الغربيون أن يسخروا من الأصنام التي يقدسها البوذيون وهي أصنام صمّاء لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر . كأن الغربيين لم يجدوا أقل من المسلمين مكانة ليوجهوا عدوانهم وأذاهم إليهم .

ها هي الكنائس تبنى في بلادنا بلا عدّ ولا حصر بينما يحتاج بناء مسجد في ديار الغرب إلى انتظار سنين لعله يحظى بالموافقة وستكون ضمن شروط وقيود كثيرة مرهقة .

وفي الوقت نفسه فإن المساجد مراقبة ومُضيّق عليها ، أما الكنائس في بلادنا  فما أسهل الحصول على إذن ببنائها بحاجة وغير حاجة وما أكثرها وكل كنيسة قلعة لا يعرف أحد ماذا في داخلها ولا تجرؤ حكوماتنا على مراقبتها أو التدخل في شؤونها .

لقد وقع أكثر من خمسين اعتداء على مصالح المسلمين في فرنسة وحدها بعد حادثة تشارلي . كما تحركت مظاهرات في ألمانيا نظمتها حركة مواطنين ضدّ أسلمة أوروبا (ليغيدا) .

ومن العجب العجاب أن الإرهاب في الغرب كثير ولكن كلما قام إرهابي عندهم بقتل الناس كانت نتيجة التحقيق أن الإرهابي مختل عقليا أو أنه مريض نفيسي وغير ذلك من الأعذار السخيفة .

  كم سمع العالم عن مجرمين في الغرب قتلوا الأطفال في المدارس وفي الأسواق ولم يأخذ الأمر ما يستحقه من اهتمام عالمي .

ولا يقتصر الأمر على إرهاب الأفراد فكثير من حكوماتهم مجرمة ولو أحصينا ما قتله الغربيون سواء أكانوا أوروبيين أو أمريكيين في القرن العشرين وفي هذه السنوات القليلة من القرن الواحد والعشرين في أنحاء العالم لبلغ العدد الملايين إن لم نقل أكثر .

وبعد هذا يخرج علينا الرئيس الفرنسي ليقول إن الغرب قد يتحرك بشكل جماعي لمواجهة الإرهاب وكأن التحالف الدولي الحاصل الآن ليس تحركا جماعيا ولا غزوا صليبيا .

فهل يريد أولاند أن يحشد أكثر من هذا لإبادتنا .

إن الواجب أن توضع هذه الدول وحكامها على رأس قائمة الإرهاب وأن يُلاحقوا على أنهم إرهابيون مجرمون وهم أول أسباب ما اتفقوا على تسميته إرهابا .

إن على الغربيين ان يتعلموا الحضارة والأخلاق والآداب والمبادئ الإنسانية وعليهم أن يكفوا سفهاءهم عنّا بقوانين رادعة قبل أن يرتكبوا جريمة قتل من يدافع عن كرامته ومقدساته وعليهم أن يعتذروا وأن يدفعوا تعويضات بمئات المليارات لأمتنا إذا كانوا حقا يحترمون الإنسان وعقائد الآخرين .

وأخيرا إن الكلام طويل جدا لكن حسبي هذا في هذه المقالة .

أحمد الجمّال الحموي

نائب رئيس جمعية علماء حماة سابقا

عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين